الرئيسية » الذات » تطوير الذات » الامان الاجتماعي – انكار الذات في علم النفس

الامان الاجتماعي – انكار الذات في علم النفس

بواسطة عبدالرحمن مجدي
2004 المشاهدات
الامان الاجتماعي - انكار الذات في علم النفس

يتسائل البعض عن كيف ندع قلبنا يقود الطريق..

أعتقد أن هذا سؤال هام جداً في المجتمع الذي نعيش به، الثقافة السائدة تعزز هذه الحيرة عبر ملايين الصورة التي تبثها عبر وسائل التواصل المختلفة، صور مثل كيف تصون كرامتك ، من هو الرجل ، كيف يجب أن يتصرف الرجال ، ما هي الصفات اللائقة للمرأة ، كيف يجب أن تتصرف المرأة ، ما الذي يصح وما الذي لا يصح ، إلخ. كل هذه القيم التي تبث لأذهاننا يومياً تضعنا في صراع لا يهدأ ، من جانب نرغب بكل قوة في التواصل مع كل من حولنا، فنحن كائنات إجتماعية في الأساس، ومن جانب أخر عشرات القيم التي نعي لها وملايين القيم التي لا نعي لها تضعنا في حيرة في كل لحظة من حياتنا. وهذا ما يطلق عليه عدم الأمان الأجتماعي.

ما هو عدم الأمان الإجتماعي ؟

لا توجد إجابة قياسية جامعة مانعة عن هذا السؤال، ولكن دعونا نفكك هذا المصطلح. ما هو عدم الأمان ؟ هو الخوف من فقد الشيء أو عدم الحصول عليه، عندما نتحدث عنه في السياق الإجتماعي فنحن نتحدث عن ثنائيات مثل:
– فقد الحب الذي لدينا الأن أو عدم الحصول على الحب الذي نريده
– فقد التقدير الذي نحظى به أو عدم الحصول عليه
– فقد المكانة الإجتماعية التي لدينا أو عدم الحصول عليها

ويجب أن نلاحظ هنا أن كل منا يتحرك في مجموعات مختلفة بالتالي حالة عدم الأمان هذه تتحرك معنا طوال الوقت في كل المجموعات التي نتفاعل داخلها، وهذه الثنائيات ليست إلا مجرد أمثلة، هناك عدد لا نهائي من تلك الثنائيات تتناسب طردياً مع إحتياجاتنا التي لا نهاية لها.

إذا هذا هو عدم الأمان الإجتماعي، هذا هو ما نرغب في الحصول عليه وإذا حصلنا عليه نخشى فقده، ولكن كيف تعمل هذه الثنائيات في ذهننا، ما هو الشكل الأكثر بساطة لعمل هذه الثنائيات في المواقف اليومية؟

بالتحليل سنلاحظ أن طرف الثنائية المتعلق بما نرغب في كسبه، دائماً هو توقعاتنا عن كيف يجب أن تسير الأشياء، بينما تتعلق مخاوفنا بما نخشى أن نفقده سواء ماديًا كان أو معنوياً، أي أن الثنائية الأكثر تبسيطاً والتي نفكر وفقاً لها دائماً هي:
1- التوقعات، أو 2- المخاوف
ولا يمكن الفصل بينهما بهذا الشكل القاطع، فقد تتملكنا المخاوف من عدم تحقق توقعاتنا، أو قد نتوقع تحقق مخاوفنا، لكن فقط بهدف التبسيط قمنا بفصلهما بهذا الشكل.

في الأمثلة الحياتية دائماً ما يتصرف الطرف الأخر وفقاً لأحد القيم، هناك من يتصرف بأحد درجات الأنانية، أو بأحد درجات الأمانة، ودائماً ما نحمل بداخلنا مزيجاً من كل شيء، ليس هناك الخير المطلق والشر المطلق، جميعنا نحمل كل شيء بداخلنا، ولكن حسب الدائرة الإجتماعية التي نتفاعل بها، وبقدر:

1- الطريقة التي نرغب الأخرين في معاملتنا بها أو المكاسب التي نرغب في تحقيقها حتى لو كانت معنية والتي هي توقعاتنا
2- الطريقة التي نخشى أن يعاملنا بها الآخرين أو الضرر الذي يمكن أن يلحق بنا، أو الكسب الذي نخشى فقده

لكن إذا تدربنا على رؤية الواقع سنجد:

1- يستحيل حقاً أن يتسبب أي شخص في أذى لنا، أي خبرة معنية مؤلمة نعيشها هي فقط نتيجة تحطم أحد توقعاتنا ، الأشخاص أو المواقف التي ليس لدينا أي توقعات تجاهها لن نشعر تجاهها أبداً بأي خيبة أمل.

قد نستدعي من الذاكرة العديد من المواقف المؤلمة التي عشناها، سنجد أن الجانب الأكبر من هذا الألم متعلق بتحطم توقعاتنا، حتى إذا سرقنا أو خاننا من نثق بهم ، فالأمر وما فيه أن توقعاتنا مسيطرة علينا لدرجة أننا نؤمن تماماً بإنها الطريقة الصحيحة التي يجب أن تكون عليها الأمور لدرجة أن تلك التوقعات تصبح نوعاً من أنواع التحكم في الطريقة التي نرغب في أن يتصرف بها الآخرين.

جانب أخر لشعور الألم هذا يتعلق بالحفظ، بغسيل المخ الإجتماعي الذي يحدث منذ ولادتنا، من لحظة ميلادنا يتم برمجتنا حول الطريقة التي يجب أن نشعر بها، عندما أجلس وحدي يجب أن أشعر بالوحدة، عندما يخالف أحدهم توقعاتي يجب أن أشعر بخيبة الأمل، عندما لا أضاهي الصورة الخيالية التي أتصورها عن نفسي أشعر بالدونية، وعندما أرى نفسي أقل في أحد المهارات بالمقارنة بالصورة المتخيلة أو الواقعية عن الآخرين أشعر بالغيرة. وجميعها مشاعر مبرمجين عليها، عادات شعورية تم تعزيزها عبر سنوات من التكرار والتوافق الإجتماعي. قد يكون لها أصل، لا يستطيع أحد إنكار أننا قد نشعر بغصه عندما يفوتنا كسب ما، ولكن هذا ليس حتماً، قد نختار بوعي أن نبرمج أنفسنا على رؤية المكسب في فوات المكسب، وأن نشعر بالرضا والسكينة على كل ما يحدث أمام أعينا. يمكننا أن نختار أن نعيش بذهن خالي من التوقعات وأن نتدرب في كل لحظة لأن نصل لهذا.

2- شكل الأذى الوحيد الذي قد يكون واقعياً هو الأذى الجسدي المادي، وهذا أمر أيضاً علينا أن لا نتطرف فيه، فهناك فرق بين الوعي بالبيئة المحيطة، أين نسير، مع من نتحرك، ما هو الوقت المناسب للذهاب لأماكن بعينها. وبين أن تتحكم بنا المخاوف المرضية والتي ليست محور حديثنا هنا.

3- الحقيقة الغائبة والتي بسبب مخاوفنا لا نستطيع رؤيتها، هي أن كل منا يعامل نفسه في الأساس، إذا تعامل معي أحد الشخاص بأمانة، فهذا جزء من تدربه الروحي البناء، حتى إذا لم يدرك هذا. ومن يتعامل معنا بعدم أمانة، فهذا أيضاً جزء من تدربه الروحي الهدام، حتى إذا لم يعي لهذا.

إذا خالف أحدهم الأمانة المتوقعة منه وشعرت بالألم نتيجة لهذا، فهذا بسبب توقعاتي عن الكسب المتوقع الناتج عن سلوكه الذي نرغب فيه، إذا كنا متجردين تماماً من رغباتنا فعدم أمانة الشخص الذي أمامنا يستحيل أن تؤذينا.

رحلتنا الروحانية في تلك الحياة لها قطبين، القطب الذاتي الأناني، والقطب الغيري المتجرد، كل منا عبر أختياراته لحظة بلحظة يسير بأتجاه أحد القطبين. ولكل منهم عواقبه، فكل تصرف قائم على إشباع الذات، تكون عاقبته هي المزيد من الجوع والعطش للمزيد والمزيد. شره لن يُشبعه شيء. السلوك الغيري الهادف لخدمة الآخرين بشكل ناكر للذات تكون عاقبته دائماً هو الشعور الطمأنينة، التحقق، الرضا.

فحتى إذا تعامل معنا الطرف الأخر بشكل أناني، في الحقيقة الأذى سيقع عليه هو، أنا فقط مسئول عن توقعاتي والتي سيتناسب الأذى الذي سيلحق بي طردياً مع نسبة تلك التوقعات، كلما تخلصت من توقعاتي كلما صغرت مساحة الأذى الذي يمكن أن يلحق بي.

عندما تكون ثقافة المجتمع وبالتالي القيم الفردية قائمة على إشباع الذات، فهناك خطورة عندما نتحدث عن الغيرية أن يساء فهم ما نتحدث عنه. عادة يدور بذهن المتلقي أحد السؤالين، بفقد الدافع الذاتي يختفي الدافع تماماً وتصبح الحياة خالية من أي غاية ذات قيمة، فما الهدف من الحياة ؟ وكيف سنتقدم في الحياة دون الدافع الذاتي؟

وما يحدث هنا هو خطأ منطقي، نحن نخلط بين الأداة والهدف، أن كل ما نقوم به بغرض إشباع الذات، الغاية الأسمى منه هو أن نكون سعداء، أن نحقق هذه الحالة من الإشباع الكامل. ولكن الحقيقة أننا أصبحنا أسرى للأداة، أسرى للعمل، أسرى للراتب، أسرى للمكانة الإجتماعية والقبول الإجتماعي، حتى تحول كل أداة في حياتنا لسجن جديد.

نحن حقاً بحاجة لأن نتذكر لماذا نفعل كل ما نقوم به، ليس من أجل أن يكون لدينا مال أكثر، نحن نتخيل أنه بالمال الأكثر سنكون أكثر سعادة. وبالتأكيد ليس بالوظيفة ذات المسئوليات الأضخم، نحن فقط نتبع العادة والقيم المجتمعية ونتخيل أننا بحصولنا على الوظيفة ذات المسئوليات الأكبر سنكون أكثر سعادة، وهكذا فقدنا الغاية من هذه الحياة وأصبحنا أسرى للأدوات.

على الجانب الأخر ما نحاول التدرب عليه عند سيرنا في طريقنا الروحاني، أن ندرك أن جميع هذه الأدوات مهمة للغاية، الراتب مهم للغاية، ولكنه مجرد أداة، عندما تكون حاجاتي المادية متوفرة سيسمح لي هذا بفرصة أفضل للعمل على الخدمة الغيرية الناكرة للذات. عندما سأكون في وظيفة أفضل سأكون قادراً على مساعدة أناس أكثر، عندما أحصل على تعليم أو تدريب أفضل، فسيكون هدفي هو أن أكون في أفضل وضع لتقديم تلك الخدمة الغيرية الناكرة للذات.

أن هذا ليس ديانة جديدة، بل هو جوهر كل دين، وكل ما يتطلبه الأمر هو أن نفكر به ونجربه، كيف أن كل ما نقوم به لإشباع ذاتنا يتحول لحائط إضافي في السجن الذي نبنيه حول أنفسنا، وكيف أننا كلما كان هدفنا هو الخدمة الغيرية الناكرة للذات، سقطت هذه الحوائط من حولنا. وكيف أننا في جميع الأحوال من نتسبب في الأذى لأنفسنا، وهذا هو الموضوع بكل بساطة.

أرجُنَ برَنَذي

هل ساعدك هذا المقال ؟

مقالات ذات صلة

2 تعليقات

مقبل الكثيري 30 أكتوبر، 2016 - 4:16 م

تقريبا او متأكد , هذا المقال عباره عن نقطة تحول لكل من عانى من نكران الذات سلمت يداك يامحب الانسانية (يا انسان )

رد
Aboda Magdy 30 أكتوبر، 2016 - 4:32 م

شكراً صديقي مقبل ♥

رد

اترك تعليقك !