الرئيسية » العلاقات » اختيار شريك الحياة » الشخصية النرجسية وكيفية التعامل معها

الشخصية النرجسية وكيفية التعامل معها

بواسطة عبدالرحمن مجدي
1908 المشاهدات
الايغو - كيف تصبح حكيم
ما هي أساليب الخداع التي يستخدمها النرجسي للسيطرة على ضحيته؟
 
الجزء الثالث عن شخصيات الثلاثي الأسود لنتفادى الأذى ونتخلص من علاقة ضارة. في الجزئين الماضيين تكلمنا عن بعض صفاتهم، وسبب تفضيلهم للمرأة القوية الناجحة اللامعة كضحية للإستغلال والتدمير المتعمد. اليوم سأشرح بعض أساليب الخداع التي يستخدموها في علاقاتهم العاطفية. لو أحد مر بهذه التجارب ينتبه إنه في علاقة ضارة ويهرب منها، أو يطلب مساعدة عاجلة من متخصص لو غير قادر ينهي العلاقة لوحده.
 
سأذكركم أننا نتكلم عن الشخص المصاب باضطراب الشخصية النرجسية (وهي مشكلة نفسية أكبر من مجرد شخص مغرور، نتكلم على شخص متعمد الإساءة وله صفات نفسية وسلوكية محددة موجودة في المقالات السابقة، تاج: النرجسية )
 
أول معلومة مهمة هي أن العلاقة مع النرجسي ليست “علاقة” بالمعنى المفهوم!
 
هذا شخص لا يملك تعاطف ومشاعره شديدة السطحية. لا يعرف ماذا يعني حب حقيقي لأنه لا يشعر بالآخرين، لا يحب سوى نفسه، والحب مشاركة مع روح وقلب شخص آخر. شاعر بإستحقاق مبالغ فيه إنه أحسن من كل الناس وأهم منهم ويستحق معاملة خاصة. يرى النساء مجرد أدوات للمتعة وليست روح وقلب وعقل. الغرض الوحيد للعلاقات عند هذا الشخص بجانب المتعة الجسدية هو الحصول على “التموين العاطفي” الذي يُشعره بالتفوق والتميز والنشوة: أن يكون هناك أحد منبهر به، يسبح بحمده ويمدحه ويقدسه ويحقق له رغباته ويسترضيه ويخضع له بلا قيد أو شرط، وبلا أي مقابل غير أن يحظى بالقرب منه.
 
بالتالي تعريفه لمفهوم “علاقة” مختلف تماماً عن مفهوم الشخص السليم نفسياً عن العلاقات الإنسانية السوية. بالنسبة له علاقة يعني فيلم أو جيم جديد من بطولته وإخراجه: قصة درامية، تحدي الوصول للبطلة، مناورة، مطاردة مثيرة، وإصطياد، ثم ملل، يتبعه إزدراء وإلقاء… ثم يبدأ من جديد، في دورة لا تنتهي! سواء مع نفس الضحية لو سمحت له وهو لم يمل منها، أو مع ضحايا كثيرة، بعضهم سيكون بالتوازي مع بعض في نفس الوقت لأنه كما شرحنا قبل ذلك غالباً متعدد العلاقات النسائية.
 
هذه العلاقة المريضة تمر بـ 3 مراحل أساسية:
 
1- مرحلة “القصف العاطفي”:
 
وهذه بداية العلاقة، يغرق الضحية في الاهتمام والحب والإطراء والاستحسان، لكل حاجة فيها وكل حاجة بتقولها وكل حاجة بتحبها، ويدعي أنه يشاركها كل اهتماماتها، ويحترمها، ويحب أفكارها وشكلها وجسمها وشغلها وهواياتها وأصحابها… يشعرها أنها فرصة لا تتعوض بالنسبة له، لأنها أجمل وأحسن امرأة في الدنيا وإنه منبهر وماصدق لقاها. كل هذا خداع وكذب وتمثيل! ولكن الضحية تصدق وتدخل في حالة عاطفية شاعرية وسعادة بالغة إنها أخيراً وجدت الشخص المثالي التي كانت تبحث عنه. في هذه المرحلة النرجسي يأخد منها أكبر قدر من المعلومات الشخصية لأنه سيستخدمها ضدها في المراحل التي تليها. ويبدأ يستعجل التقارب والحميمية خصوصاً لو كان هدفه الحقيقي علاقة جسدية فقط.
 
في هذه المرحلة سيستخدم كل الوسائل التي تجعل الضحية تصدقه وتحبه وترتبط به عاطفياً بشدة:
 
مكالمات، رسائل، هدايا، خروجات، سفريات، مفاجآت، تعبيرات حب وكلمات دلع وإطراء وتدليل لا ينتهي، موسيقى، ورد، رومانسية… لو كانت تحب فكرة الزواج معه سيقنعها إنه فارس الأحلام، لو كانت تحب فكرة الصداقة معه سيقنعها أنه الحبيب المنتظر السوبرمان… بإختصار يجعلها تعيش الحلم بكل تفاصيله كما هي تريد أن تعيشه.
 
يعرف من أين هي ماذا تريد ؟
يذاكرها جيداً قبل أم يبدأ الجيم.
والسوشيال ميديا مجال خصب لجمع المعلومات حالياً.
 
2- مرحلة “سحب الاهتمام”:
 
بعد ما الضحية أصبحت مشاعرها وثقتها فيه في السماء، يبدأ فجأة يتغير في المعاملة للنقيض! ينتقدها. يسخر من أفكارها. يسخر على طريقة كلامها أو شكلها أو ضحكتها (الحاجات التي كان يقول أنه منبهر بها في المرحلة السابقة) يقلل من قيمة شغلها أو إنجازاتها التي كان يقول أنه فخور بها. يبدأ يضع مسافة عاطفية ويُشعرها أنه بدأ يفقد الإهتمام لأنها فجأة لم تصبح مثالية بالنسبة له من غير مبرر.
 
الضحية ستخاف بعمق، وتشعر بضغط نفسي شديد وتحاول بكل وسيلة استعادة حبه واهتمامه، وتبدأ تلوم نفسها إنها أكيد عملت شئ غلط. وتجلس تتذكر كل الأحداث بالتفاصيل في محاولة لإكتشاف هذا الخطأ الغامض الذي سبب هذا التغيير الفجائي، وتبدأ تركض خلفه وتحاول تسترضيه. الحقيقة هي لم تفعل أي شئ خطأ. هذا تكنيك متعمد من النرجسي للسيطرة على مشاعرها وإخضاعها نفسياً. بحيث تفهم إن في إيده سعادتها وتعاستها بمزاجه. “بيدربها” تعمل له ما هو يحتاجه، وهو إشعاره إنه سوبر وفوق البشر ولا تستطيع أن تعيش من غير رضاه على حساب نفسها. لما توصل لها الرسالة وتبدأ تنفذ له طلباته، سيكافئها بأنه يلقي لها بعض الفتات العاطفية من المرحلة السابقة بإستخفاف ولامبالاة، فتفرح وتحسب أنها استعادته… فيعيد مرة آخرى مرحلة الإهمال إمعاناً في الإذلال، وهكذا… سيظل يسحبها “يقربها” ويبعدها عاطفياً وهو مستمتع بمعاناتها، لأنه يشعر بالسيطرة والتحكم والذين يمنحوه ثقة في نفسه، في مقابل انهيار ثقة الضحية في نفسها.
 
في هذه المرحلة سيبدأ استخدام أساليب الإخضاع النفسي:
 
– سيسقط عليها مشاكله: عندما يكذب سيتهمها بالكذب. عندما يخون سيتهمها بالخيانة، عندما يغضب ويتعصب تكون هي التي عصبته وخربت المود، وهكذا.
 
– سيشككها في نفسها لدرجة إشعارها أنها مجنونة وعندها تهيؤات: أي حاجة تشتكي منها لم تحدث!، هي من فهمت غلط. ويُعيد تعريف المواقف التي هي طرف فيها ورأتها بعينيها بحيث تشك في نفسها أنها تخيلت إن هذا حدث أو فعلاً فهمت غلط.
– سيجرب يتجاوز الحدود التي هو يعلم أنها لا تريد أن تتجاوزها سواء في الكلام أو الفعل ، ولما تقاوم سيضغط عليها ويأنبها.
 
– سيسخر منها ويقلل من قيمتها بحيث يهز ثقتها في نفسها: بالتقليل من قيمة رأيها وأفكارها وشكلها وأي حاجة تعملها أو تحبها.
 
– سيقلب عليها ويتخانق ويتقمص، وبعد ذلك سيصمت تماماً وينسحب ويختفي ولا يرد عليها، ويتركها مذهولة وغير فاهمة ومتألمة.
 
– سيتعمد ينرفزها ويجعلها تتضايق وتتعصب، هو هكذا يشعر بقدرته للسيطرة على مشاعرها.
 
– سيتعمد يشعرها بالغيرة بأنه يحدثها عن نساء آخريات يدعي أنهم يتعاركون عليه، أو يغازل نساء آخريات أمامها، ويُفضل لو تألمت وبكت أو غضبت واتخانقت… يوصل لها رسالة إنه ليس مضمون ولابد أن تبذل مجهود حتى تحتفظ بيه ضد “المنافسات”. يجعلها تتخيل إن النساء الآخريات هما الأعداء، في حين إن هو العدو الحقيقي!
 
هذه المرحلة التي يأخذ منها فيها كل ما يريده بمنتهى السهولة كثمن لإستعادة حبه لها. وهي تحت التأثير، ونفسيتها محطمة، ومقاومتها ضعيفة، وخائفة أن تفقده.
 
* * * * * * * * * * * *
 
طريقة من طرق الخداع والتأثير النفسي تستخدم كثيراً من الشخصيات المستغلة والثلاثي الأسود سواء في العلاقات الشخصية أو في الشغل، اسمها بالانجليزي gaslighting لا يوجد لها مقابل مباشر بالعربي. لكن تعريفها إنك تحت تأثير السيطرة النفسية والتلاعب العاطفي من شخص آخر، تشك في نفسك وإنك يتهيأ لك أشياء لم تحدث، أو ذاكرتك ضعيفة ولا تتذكر الأحداث، أو حساس زيادة عن اللزوم لأشياء بسيطة لا تُحزن البشر الطبيعين.
 
الشخص المستغل يفعل هذا عمداً، وينكر تفاصيل مؤكدة حتى لو هناك دليل أنها حدثت، ويقدر يقنع الضحية إن هي الخطأ “الغلطانة”! مثلاً لو اشتكت إنه زعق لها أو أهانها ممكن ينكر تماماً، ويتهمها إنها تدعي عليه وهو برئ، أو فهمت غلط وكبرت الموضوع، أو أنها تتخيل أشياء لم تحدث!
 
هذا يحدث كثيراً للنساء بالذات بسبب التربية الصارمة التي تدربهم إن قدراتهم ضعيفة وإنه من الأدب إنهم يقبلوا الإهانة وهما ساكتين، فيشكوا في نفسهم، ويقبلوا بسرعة إنهم غلطانين ويلوموا أنفسهم، وممكن يعتذروا رغم إنهم ليسوا بمخطئين!
 
خطر أسلوب الخداع هذا أنه لو استمر مدة طويلة يدمر ثقة الضحية في نفسها تماماً! وتشك في نفسها وفي نظرتها للناس والأحداث، وتصدق أنها مجنونة وانفعالية وعنيفة في ردود أفعالها وعندها تهيؤات فعلاً! وهذا يجعلها مع الوقت تنهار نفسياً وتفقد كثير من قدراتها الطبيعية في التعامل مع الحياة. ويصعب عليها جداً الفكاك من العلاقة المدمرة لأنها تتحول لشخص إعتمادي على المستغل، لأنه بهذا الأسلوب يقدر يقنعها أنها ضعيفة وهشة وقدراتها العقلية والنفسية ضعيفة وستنهار من غيره.
 
والحل؟
 
لا تجعلي الموقف يمر لما تكوني متأكدة من أحداث معينة ضايقتك، بينما شخص ما أيا كان يحاول يقنعك بالعكس. صري على موقفك وعلى الدليل الذي تملكينه، ولو كان فيه ناس غيرك حاضرين للموقف أجعليهم يقفوا بجانبكِ. قاومي بقوة ولا تستسلمي للتأثير. ولو تكرر انتبهي إن هذا أسلوب خداع مقصود واتصرفي لمصلحتك بسرعة.
 
لو اكتشفتي الآن بعد ما تعرضتي للتلاعب هذا لمدة طويلة وغير قادرة تتصرفي لوحدك، اطلبي مساعدة من طبيب أو أخصائي نفسي ينصحك كيف تتصرفي تبعاً لظروفك.
 
* * * * * * * * * * * *
 
3- مرحلة النبذ والتجاهل:
بعد ما الضحية استنفذت أغراضها، خلاص، لم يبقى لها قيمة عنده كمصدر للشعور بالتميز. سيقوم بفعل أمر متوحش: سيرفعها لسابع سماء، وفجأة بدون مقدمات سيلقيها لسابع أرض. ويختفي!
 
هذه المرحلة شديدة الألم للضحية.
 
ستكون مصدومة ومتلخبطة وغير مستوعبة ماذا حدث؟ كيف بعد أن كان “يحبها” كل هذا الحب يستغنى عنها بسهولة واحتقار هكذا؟ فين الشخص الرائع اللطيف الوسيم الحنين الذي أحبته وصدقته؟ كيف تحول لوحش قبيح فجأة هذكا؟ وتبدأ تلوم نفسها وتتخيل إنها أكيد “فقدته” بغبائها لأنها عملت حاجة غلط.
 
لو حاولت تتصل بيه تتفاهم سيختفي تماماً. فتنهار أكثر، خصوصاً لما تكتشف إنها “أدمنت” الهرمونات المرتبطة بالحالة العاطفية الملتهبة التي كانت فيها. بعد أن جعلها تتوقع أفعال وأقوال معينة في أوقات معينة. وتفتكر حاجات معينة في أماكن معينة. وهذا معناه إن الجسم ينتظر جرعة هرمونات السعادة في هذه الأوقات وهذه الأماكن، وعندما لا تأتي، يترجم هذا لألم نفسي وعضوي (صداع، ألم في المعدة، أرق، بكاء، حزن، قلق، شد عصبي) هو كان يقوم بالربط العاطفي هذا عمداً في المرحلتين السابقتين. حتى عندما يختفي تفتقده بعنف وتتعذب بأعراض الانسحاب المؤلمة، فتنهار نفسياً من غيره.
 
طيب هو يريدها أن تنهار لماذا؟ ألم يتركها والعلاقة انتهت؟؟
 
لأ لم تنتهي. في كثير من الحالات سيذهب وسيرجع مرة آخرى بعد فترة… ستكون الضحية تدمرت نفسياً ومقاومتها ضعفت أو انهارت وتريد أن تستعيد السعادة التي فقدتها بأي شكل. فيبدأ الدورة من الأول مرة آخرى!! قصف عاطفي، ثم فقد اهتمام… لغاية مرحلة الإلقاء مرة آخرى!! نفس الصدمة والألم مرة آخرى… نفس الصمت والهجر… ثم نفس العودة ثاني…!! لو طاوعته ممكن تفقد سنين من عمرها في الدورة الجهنمية هذه إلى أن يمل منها. عندها ستكون فقدت كثير جداً من حياتها وصحتها النفسية وهي تطارد وهم دفعت فيه حياتها وصحتها ولم تأخذ حاجة غير الخسارة والألم.
 
والحل؟؟
اجري!
 
اهربي بحياتك بعد أول مرة يحاول فيها يؤلمك نفسياً عمداً. بعد أول إيذاء عاطفي بحاجة هو عارف إنها تضايقك (معلومة أخدها منك واستخدمها ضدك). بعد أول خناقة مفتعلة يتبعها صمت تام وإختفاء غير مبرر لمجرد إجبارك إنك تجري خلفه حتى يشعر بتحكمه فيكي وسيطرته على مشاعرك. بعد أول سخرية جارحة متعمدة لكسر ثقتك في نفسك. بعد أول تسفيه من رأيك أو شخصيتك أو أفكارك بشكل متعمد وعكس ما أوهمك به في البداية. بعد أول إهانة أمام الناس. بعد أول كذبة وانتي عارفة جيداً إنها كذبة رغم إنه يُشعرك إنك مجنونة. انتي لستِ مجنونة هو الذي يتلاعب بمشاعرك. بعد أول مرة يحاول يجبرك تتخلي عن مبادئك وتتصرفي تصرف غير راضية عنه حتى ترضيه. انتي عرفتي دلوقتي إنك مهما عملتي لن ترضيه لإنه يستغلك لتحقيق أغراضه وغير فارق معاه ماذا يحدث لكِ.
 
كلمة أخيرة للنساء:
 
أي علاقة سامة في الدنيا لا يمكن تكمل لو الضحية رفضت تتصرف كضحية واتصرفت كشخص سليم نفسياً وعاطفياً، ينفر من الخطر وينجو بنفسه بسرعة. كلما أنقذتي نفسك بدري كلما الألم والمعاناة ستكون أقل، والشفاء سيكون أسرع. كلما ستطيلي معه كلما خسائرك ستزيد. تذكري أن اضطراب الشخصية طبع وليس مشكلة عارضة، وغالبا لن تتغير.
 
( من باب تحري الدقة والأمانة العلمية، قررت الاستعانة بالأصدقاء المتخصصين في المقالات الهامة لمراجعة المعلومات العلمية والطبية، وتصحيح أو إضافة ما يلزم قبل النشر. فالمعلومات النفسية الواردة هنا تمت مراجعتها من الدكتورة مها عماد الدين، رئيس قسم الطب النفسي جامعة بني سويف. شكرا لها على اهتمامها ووقتها )
* * * * * * * * * * * *

مقالات ذات صلة

اترك تعليقك !