الرئيسية » الذات » تطوير الذات » تأملات فكرية في الحياة

تأملات فكرية في الحياة

بواسطة عبدالرحمن مجدي
2714 المشاهدات
كلام جميل عن الصداقة الحقيقية
(عن أثر مفهوم -الرمزية- في نفسي وتغييره لطريقة تفكيري أتحدث)
 
كنتُ في الماضي أرى كل شيء حولي بالنمط التقليدي، من خلال الدراسة النمطية الباردة التي نشأنا عليها والتي كان لها للأسف دور كبير في تسطيح العقول، حيث كنّا نتلقى المعارف كجرعة من المعلومات التي نتعلم من خلالها مهارة كيف نتجاوز اختبار آخر السنة! ولا مشكلة طبعا إن نسينا كل شيء حفظناه بعد أسبوعين من انتهاء الاختبار!
 
من خلال الاحتكاك ببعض المدارس الغربية وتخصصي الدراسي لاحظت الاهتمام البالغ بمادة أساسية تُسمى -Symbolisme- أو علم ( الرمزية ) وكان لها أثر فارق في نظرتي للحياة، حيثُ أنني ما عدت أتلقى المعارف بكل أنواعها أو أرصد السلوك الإنساني والمشاهد الحياتية بمعزل عن فلسفة الرمز الكامن وراء الأشياء..
 
أمارس التحليل والتدقيق وأفتش عن دافع كل لوحة، وما وراء كل سلوك إنساني، وكل نصّ ديني، وكل تصرف يراه الناس تافه، ووراء كل شيء بسيط مرّ في طفولتي بداية من فيلم الكارتون الذي كنت أتابعه بشغف وانتهاء بتجاربي الحياتية..
 
فمثلا لو دققت النظر في نموذج كارتون -توم چيري- سيتبين لك أنه نموذج يتضمن رمزية التحيّز الصراعي الواضح، فالعالم حسب رؤية الكارتون غابة ملأى بالذئاب التي تتمثل في قط وفار، وحالة صراع مستمرة من بداية الكارتون إلى نهايته في عالم خال من كل قيمة، وهذا ما جعلني أقتنع أن مُنتج الكارتون أراد أن يرسخ للنظرية الداروينية الغربية بامتياز!
 
كنت أنظر للوحة لفتت انتباهي بإحدى المتاحف يرسم فيها -jan janssens- امرأة شابة تُرضع رجل عجوز، فأصفها بالانحلال والفظاعة والجرأة لخلفيتي الفكرية المتحيزة، لكني حين آمنت بفكرة الرمزية، تتبعت اللوحة واكتشفت أن العجوز عبارة عن مُسن حُكم عليه بالموت جوعًا، وكان قد سُمح لابنته بزيارته بشكل يومي، كان يتم تفتيشها بشكل دقيق حتى لا تستطيع إدخال الطعام لوالدها، وكانت تشاهد الأب يومياً وحياته تنتهي بسبب الجوع، فقامت بإطعام والدها من حليب ثديها لتُنقذه من الموت حتى ضبطها الحراس وهي تقوم بإرضاعه واطلقوا سراح والدها تبجيلاً لحبها الذي تخطى أقدس الحدود!
 
كنت في البداية أستمع إلى شيخ أو أقرأ نصّ ديني وآخذه كما هو بلا تفكير، لكن علم الرمزية علمني تفكيك وتحليل ونقد المصطلحات قبل تلقيها، أن أبحث وأتعامل مع المُسلمات الدينية والاجتماعية بشكل تحليلي نقدي لأمارسها بوعي وقناعة وأكنس الفاسد منها عن طريقي، مما جعلني اكتشف كم العبث والهرطقات الفكرية التي ملأت التراث الإسلامي والمسيحي فضلا عن الواقع الاجتماعي المسكين، لأنها عبارة عن نماذج إدراكية مقلدة ومبنية على العاطفة الجمعية.
 
اختصارًا البحث والكشف عن الدلالات في أبسط الأشياء وأكبرها مفتاح جديد للحياة ومتعة عظيمة، فالمعارف والأساطير والتفاهات والسلوكيات الإنسانية ليست جملة إدراكات حسّية، بل هي تركيب متسلسل من تفاصيل بمعرفتها تنكشف الحقائق وتزال الغيوم. وإذا عُرف السبب بطُل العجب!
– – – – – – – – – – – – – – – – – – – –
من هدايا الحياة أن يكون حولك صديق أو اثنين بمثابة عون فكري ومعنوي لك. لذلك حين يسألُني البعض من ربّاك بعد أُمّك. أقول له بكل صراحة -أصدقاء المراحل –
 
كان من أكثر الذين شعرت معهم بهذا صديق دراسة برازيلي من أُم إيرانية، يدرس الأدب الكلاسيكي وسكنّا سويًا لشهور، كان يرى أن الحياة الحديثة ستُودي بالإنسان وتحوله إلى إنسان صورة، وتعلمتُ منه لحياتي كيف أن التمسّك بالجمال وامتزاجه بالفلسفة الدينية ملاذ أخير للإنسانية..
 
كان هذا الشخص وغيره أصدقاء وصديقات على مدار 20 سنة، لهم بالغ الأثر في إثرائي فكريًا وثقافيًا وعاطفيًا، ولا زلتُ حتى هذه اللحظة حين تستعصى عليّ فكرة أو تخفت الرغبة في المطالعة وحب الحياة..
 
أجلس مع واحد من هؤلاء القلّة وأسلّم نفسي له. ولمجرد أن نتحدث ونقلب ساحة الحوار إلى معركة شرسة حول أفكار تتعلق بالحياة والبشر والدين، أجد الإلهام والمعاني تتقاطر من عقلي بشكل عجيب، حتى وإن لم يكن لهذا المعنى علاقة بما كنا نتحدث فيه بالبداية..
 
انتقاء من تجلس معهم وتقرأ لهم وتتابعهم على مواقع التواصل، يعني أنك تنتقي الخميرة التي ستشكّل بها أفكارك وأسلوب حياتك بشكل غير شعوري..
 
كلما اقتربت من الذين يُلهمونك ويُضيفون لك أفكارًا، ويفتحون لك أُفقا أوسع، ليس من الناحية المعلوماتية. بل من ناحية التحليل والرؤية النقدية التي تصل إلى جوهر الأمور..
 
ستحب الحياة وتكون عدوًا لليأس والاكتئاب وستنضج أكثر. وكلما اقتربت من النسخ المكرّرة والفارغين الذين لا حظ لهم إلا الثرثرة الفارغة والسخرية. كان حظّك وافر من السطحية والتفاهة والرغبة في التلاشي..
 
– يبين لك فكرة أن الأصدقاء في عصر ما بعد الحداثة هم الذين ينمّطون حياة الإنسان، أن الفرد في الغرب مثلا بعد سن السادسة عشر في الغالب، يعيش بمفرده، ومن هنا يبدأ في استيعاب القيم من مجموعة الأصدقاء حوله في الغالب، فتتم عملية صياغة وقولبة اجتماعية بسرعة فارقة دون تدخل الأسرة. لذا في الاغلب كل انسان عالم مستقل من الأفكار منزوعة التقليد وفيها من التفاوت في المعتقد والفكر واسلوب الحياة بين افراد الاسرة الواحدة كما بين السماء والأرض.ومن هنا يتأكد أن أعمق علاقة في الوجود هي الصداقة. بل جعلها بعض الفلاسفة أعظم الحب.
 
– ثمة فارق كذلك بين الجدل السلبي العقيم الذي في الغالب يتناول الأفكار الصغيرة، والأشخاص. (فالجدل الإيجابي يناقش الفكرة لا الشخص) وبين الجدل الإيجابي الذي تختبر به قدرتك المعرفية ومدى ادراكك بالواقع ومتغيراته ومن ثم تكتسب مهارة الحوار والحجة. وهذا من ثمار التناقش والقرب من الملهمين. فهم يمنحونك القدرة على تطوير ذاتك وعقلك.
– – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – –
.
رامي محمد
 
هل ساعدك هذا المقال ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقك !