الرئيسية » خواطر » خواطر جميلة » جرح القلب خواطر

جرح القلب خواطر

بواسطة عبدالرحمن مجدي
3630 المشاهدات
كلام يمس القلب‏ - حياة القلوب
اللبؤة الجريحة
 
من المفارقات المؤلمة والطريفة في آن واحد.. أن يكون أكبر حزن قد أصاب الإنسان، حدث خلال بحثه عن السعادة.. أن يتحطّم قلب الإنسان على يد الشخص الذي كان يرى فيه سعادة قلبه.. هذا أشبه بأن يرى الواحد منّا زهرة جميلة في حقل.. وما أن ينحني آمنا مطمئناً ليشمّ أريجها، حتى تنفجر في وجهه!
 
جرح كهذا لا يقتل الإنسان بالتأكيد.. لكن هنا تكمن خطورته فعلا.. أنه لا يقتلك.. وفِي حين قد يبدو للناس بعد فترة من الحزن، أنه الجرح أغلق وبرئ وتوقّف نزيفه.. إلا أنّ هذه خدعة أخرى.. توقف نزيف الجرح لا يعني أن الألم نفسه قد توقف..
 
وطبعا ما يمكن أن تفعله خيبة عاطفية كهذه في نفس إنسان، عدا عن تدمير نظرته لنفسه.. أنها تفقده الثقة في الحبّ كمصدر للسعادة.. فتراه يرى السعادة في الطعام أو السفر أو الصداقات أو الكتب أو الأغاني أو حتى طلاء الأظافر.. في أي شيء وكل شيء .. ما عدا الحبّ نفسه..
 
لكن أهمّ تجليّات تلك الخيبة العاطفية على الإطلاق تكمن في تحولّها إلى غضب كامن تجاه كل إنسان، يفكر مجرد تفكير في الاقتراب من ذلك القلب الجريح.. وهذا ما أدعوه أنا متلازمة اللبؤة الجريحة.. لبؤة تصاب بجرح ما في الغابة.. من صيّاد مثلا.. وتغدو عاجزة عن الحركة.. لكنّها في الوقت نفسه تهاجم أي شخص يحاول الاقتراب منها لعلاجها.. لا تثق في أحد مهما كان.. كلّهم بالنسبة لها صيّادون.. فتراها تفضّل الموت نزفا وضعفا على أن تترك شخصا ما يمسّ جرحها أو يقترب منه..
 
أناس كهؤلاء يعيشون بيننا.. نراهم كل يوم.. وكل ساعة.. تضايقنا مرارة كلامهم.. سخريتهم الدائمة.. تحقيرهم لكل شيء تقريبا.. وادعاؤهم الدائم بأنهم على ما يرام.. وكأناس طبيعيين.. تجدنا لا نتحمّل تلك التصرفات.. فنقرر تفاديهم والابتعاد عنهم.. لكن البعض منّا يرى فيهم ما لا نراه.. ويقرّر الاقتراب من ذلك الشخص الجريح.. مهما كلّفه ذلك من عضّ وخرمشة.. لأنه يعرف أن الجروح القديمة وإن بدا أنها برئت إلا أنها لا تزال تؤلم..
 
في نهاية الأمر.. ينجح ذلك الشخص المبادر في تطبيب الجرح.. معيدا ثقة ذلك الإنسان الجريح في نفسه أولا.. وفِي الناس والحبّ وكل شيء آخر.. والحبّ الذي يخضّر ويزهر حينئذ ربّما لا يساويه أيّ حبٍّ آخر..
 
لكن لسوء الحظ.. فهذا لا يحدث بشكل دائم.. لا يمتلك الكثير من الناس الصبر والتفهم الكافيين لعلاج لبؤة جريحة.. فتظلّ تنزف دمها كله غضبا ومرارة وسخرية.. رافضة كل الرفض أن يمسّ جرحها أحد.. وتتوالى الأيام حتى تطوى صفحة إنسان آخر.. انفجرت في وجهه يوما زهرة في حقل..
 
 
هل ساعدك هذا المقال؟ .. شاركه الآن!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقك !