الرئيسية » الذات » تطوير الذات » ما هي الديانة البوذية

ما هي الديانة البوذية

بواسطة عبدالرحمن مجدي
1057 المشاهدات
ما هي الديانة البوذية

هل البوذية ديانة ؟؟

المشكلة الأساسية في أجابة هذا السؤال هو في تعريف كلمة ديانة نفسها. ما معنى ديانة ؟ هذا سؤال يجب أن نصل لإجابة دقيقة عنه قبل أن نحدد إذا كانت البوذية ديانة أم لا.

من ثلاث أو أربع سنين وبسبب تكرار هذا السؤال في المجموعة البوذية العربية بحثت كثيرًا في هذا الأمر. لم أجد تعريف مُجمع عليه لتعريف كلمة ديانة. أفضل ما وجدته كان سردًا لخصائص المعتقد الذي عند توافرها يعتبر هذا المعتقد ديانة.

بعض المراجع على شبكة المعلومات تقدم سبع عناصر، البعض الاخر يقدم أربعة، يتم تلخيصهم في ثلاثة من وجهة نظري:
1- الأعتقاد في قوى غير مادية مسيطرة.
2- نظام أخلاقي ( “حلال ، حرام”، “نجس ، طاهر” ) مستمد من إرادة تلك القوة العليا.
3- نظام شعائري موجه لها.
الثلاثة غير موجودين في البوذية.

البوذية ليس بها إله كلي القدرة. بوذا هو شخص مثلي ومثلك ، تدرب حتى وصل لكل الحالة التي تغلب فيها على كامل معيقاته وحقق كامل إمكانياته، ووصف لنا طريق التدرب. كل كائن واعي، يمتلك المادة الخام الأساسية التي تؤهله أن يحقق ذات ما حققه بوذا.

والبوذية ليس بها فكرة الحلال والحرام، النجس والطاهر، وكل تلك الثنائيات، يقوم النظام الأخلاقي في البوذية على التفرقة الذاتية لما هو هدام وبناء، لما هو مفيد للمتدرب والآخرون من حوله، وما هو مؤذي ومضر للمتدرب ولمن حوله.

ولا يوجد في البوذية نظام للشعائر بإنتفاء وجود ذلك الإله الذي توجه له تلك الطقوس. لكن على الجانب الأخر، هناك تدريبات في البوذية قد يستخدم بها أدوات، حركات جسدية، ترديدات بعينها، لكنها بالكامل تتسق مع بقية التدريبات البوذية في تدريب الذهن.

وبالتالي تنتفي تمامًا تلك الخصائص الثلاثة الأساسية في تعريف أي ديانة. لكن على الجانب الأخر، تعريف أخر يقدم الديانة كنظام عقائدي يحكم حياة الفرد. مع تحفظي لكلمة عقائدي، لأن البوذية ليس بها فكرة الإيمان، وحتى فكرة الإعتناق الاعمى تعتبر عائقًا في البوذية. لكن من حيث إنها “رؤية” تؤثر في حياة من يقتنع بها، قد تكون ديانة.

للأسف، كلمة ديانة ملوثة جدا بالكثير من الموروثات الكنسية في الأساس والشرق أوسطية وجنوب ووسط أوربا تاريخيًا وثقافيًا. لذا أنا بشكل شخصي لا أحبها.

عندما يسئلني شخص، هل البوذية ديانة، يكون أول رد لي، ما تعريفك أنت لكلمة ديانة، وفقًا لتعريفك لهذه الكلمة سأستطيع أن أخبرك إذا كانت البوذية ديانة وفقًا لفهمك أنت لكلمة ديانة أم ليست ديانة.

الأهم، هو حقًا، ما هو جوهر البوذية؟

يصعب تلخيص هذا الجوهر. أي محاولة مني سيعيبها النقصان، لكن دعونا من أجل التقدم أكثر في المحادثة أن أقول إنها “طريقة لرؤية الواقع“. عبارة شديدة التلخيص لفهمها سنحتاج حقًا أن نفكر فيما هي إشكالية الحياة التي نعيشها.

سأضع بنهاية هذه المقالة روابط مختلفة عن الحقائق الأربعة النبيلة، التعاليم المركزية في البوذية. والتي يساء تقديمها كما لو كانت “بعد عن الشهوة “، الأمر ليس له أي علاقة بالشهوة أو البعد أو الكبح.

ببساطة، جميعنا ندرك من خبرتنا المباشرة أن هناك معاناة، لكن قبل القفز لمناقشة حلول تلك المعاناة، يجب أن يكون لدينا تحليل وفهم عميق لماهية تلك المعاناة، حتى نستطيع أن نصل لرؤية “واقعية” عن أسبابها. إذا وضعنا أيدينا على الأسباب، أصبح الحل ممكناً.  هذه هي الحقائق الثلاثة النبيلة الأولى، “حقيقة المعاناة، أسباب المعاناة، أن التخلص من المعاناة ممكنًا”

وفقًا للحقيقة النبيلة الثانية، تكمن أسباب المعاناة بشكلها الأعمق في إنحراف إدراكنا للواقع، نحن لا ندرك الواقع كما هو، بل نراه وندركه عبر كم ضخم من الإسقاطات. إذًا الحل، في التخلص من تلك الإسقاطات حتى نستطيع أن نرى ونتعامل ونتفاعل في هذا “الواقع” كما هو وليس كما نتخيله، وهذا ما تصفه الحقيقة النبيلة الرابعة وما تهدف كامل تدريبات المسار البوذي في تحقيقه. كيف نتخلص من تلك الإسقاطات.

هل الأمر بهذه ببساطة؟ نعم، لكن نحن لسنا بسطاء، ولا متشابهين، لذا، بتعدد إسقاطتنا ستتعدد الأدوات، بتعدد شخصياتنا، ستتعدد الأدوات التي تتجاوب مع أحتياجات تلك الشخصيات. لذا يقال أن بوذا قدم أكثر من 84000 تعليمًا للدارما، ليس لإنه يحب تكرار نفسه، ولكن لأننا بحاجة لهذه التنوع بقدر تنوعنا نحن.

كل من قدم محاضرة لجمهور يعرف تلك الإشكالية، إشكالية مخاطبة جمهور كبير متباين، سيضطر للتبسيط مهمًا كان متخصصًا في مجاله. في النهاية، أبرع فيزيائي في العالم عندما سيحاول أن يشرح بعد قواعد الحساب لطفل في السادسة سيكون عليه أن يستخدم أمثلة مبسطة، قواعد بدائية، بل حتى أحيانًا قصص خيالية، هذا شيء لا مفر منه لأخذ بيد هذا الطفل حتى يصل لذات درجته العلمية عبر مسار متدرج من التعلم والتدرب.

هناك منا من لديهم جانب إيماني شديد، سيحتاجون أدوات وطرق في التدرب تتلائم مع ذلك الجانب الإيماني.
أخرون، جانبهم الشعوري يطغى عليهم، فسيحتاجون أدوات وطرق في التدرب تتلائم مع ذلك الجانب الشعوري.
أخرون، جانبهم المعرفي والإدراكي والمنطقي يغلب عليهم، فسيحتاجون أيضًا أدوات وطرق في التدرب تتلائم مع ذلك الجانب.

يؤكد المعلمون أن تغليب نوعًا (أو بمعنى أدق مجموعة) بعينها من الأدوات غير ملائم، حيث يجب أن يكون مدخلنا في التدرب متوازن بين تلك المجموعات الثلاثة من الأدوات. فلكل منها أيضًا فوائدة.

عندما ينظر شخص غير الدارس للبوذية لممارسات أشخاص بعينهم، فسيرى فيمن يغلب عليهم الطابع الإيماني ديانة وطقوس، وفيمن يغلب عليهم الطابع الشعوري نوعًا من الطرق الروحانية المتصوفه، وفيمن يغلب عليهم الطابع العقلاني المفكر نوعًا من الفلسفة. وهي ليست أيًا من الثلاثة.

دعوني أكرر، هذا تلخيص مخل، الأمر أكبر من ذلك بكثير، لكن على الأقل أتمنى من خلال هذا التلخيص أن يكون لدينا أرضية أفضل للتقدم في مناقشتنا.

أرجُنَ برَنَذي

هل ساعدك هذا المقال ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقك !