الرئيسية » الذات » كيف تغير حياتك » الكراهية في علم النفس – سحر الكراهية والبغضة

الكراهية في علم النفس – سحر الكراهية والبغضة

بواسطة عبدالرحمن مجدي
1061 المشاهدات
الكراهية في علم النفس - سحر الكراهية والبغضة

هذا “ العالم مليئ بالكراهية “، كلمة أرددها حتى أُشعر نفسي بأني أفضل من هؤلاء الذي ” تملئهم الكراهية “، ونسيت أني بهذا أقسم الوجود في مخيلتي، إلى “هؤلاء” “من يشعرون بالكراهية” و “هؤلاء” من ” يفصلون ” أنفسهم عنهم.

إستخدام أداة الإشارة “هؤلاء” يملاء ذهني بكراهية قائمة على:
1- تعميم عددي غير صحيح ، قد يكون هناك القليلين أو الكثيرين، ولكن بالتأكيد ليسوا جميعهم.
2- تعميم فكري غير صحيح، كما لو ان هناك وحدة من ” هؤلاء ” تحمل بالضبط نفس الأفكار بنفس التسبيبات، بنفس المرجعيات، بنفس الإقتناع، بنفس القوة.
3- تسطيح للوجود بإنه مجرد تلك اللحظة التي أشرت بها إلى “هؤلاء”، كما لو إنهم بمعزل عن كل هذا الوجود. كل هذه الكراهية، الأنانية، الطمع، الجشع، الرغبة في التفرقة والسيادة، الرغبة في التقسيم والسيطرة، الرغبة في التجزئية والتفوق.

رغم حديثي تكراراً عن شبكة الأسباب التي هي هذا ” الوجود ” إلا أني بحكم عاداتي المُضللة لا أستطيع أن أرى الوجود إلا كلحظات منفصلة. أقوم بتثبيت الصورة، ثم أشير بأصبعي أقول “هؤلاء”. كما لو أنه ليس هنا ” أنا ” الذي أشارك في طقوس الطائفية المجنونة.

لربما بحكم تدربي ودراستي تتستر كراهيتي خلف مبررات تاريخية. تتستر طائفيتي خلف تحليلات فلسفية نفسية. يتستر هوسي بحب الذات ورغبتي في الإحساس بالتفوق خلف أصبعي الذي يشير إلى “هؤلاء” الآخرين. ولكن رغم كل هذا التدرب والدراسة والتستر، سيظل الجوهر واحداً. هوسًا بالذات وكراهية للآخر. وما الباقي إلا مجرد أسباب.

أتذكر أثناء أحداث 11 سبتمبر، كنت في عملي وأتصل بي صديقي ” الألماني” شامتاً فيما يحدث بالولايات المتحدة والذي لم أعرف عنه شيء. أغلقت معه الهاتف وبدئت فوراً في مشاهدة ما يحدث منتشياً أيضاً بهزيمة الشيطان الأعظم. رغم إلحادي وقتها إلا أن كراهيتي التي لم ترتدي عباءة الدين كانت منتشية بالضبط مثل الإسلاميين الذين كانوا يهللون ويكبرون في كل مكان.

“هؤلاء” نتاج حدث إعلامي. أنا لا أعرف أياً من “هؤلاء”، وكل فرد أعرفه لا أراه يُشكل وحدة واحدة مع “هؤلاء”. الإعلام الجماعي الذي يُفرقنا ويسيطر علينا ويتغلل بداخلنا يجعلنا “نصر” على أن نرى أنه هناك ” نحن وهؤلاء “. ولكن هل هناك لغة دون تعميم؟

كتب صديق عن أزمة التطرف بالمدارس الألمانية، وكيف أن هناك جيلاً كاملاً من شباب المسلمين بالمدارس الثانوية الألمانية متعاطف مع ما يحدث بسوريا وينتشي بالدم مثلما كنت أفعل بالضبط. تقديم هذه المعلومة في حد ذاتها “رغم صحتها أو خطائها” يجب أن يحمل تعميماً، “شباب”، “مدارس ثانوية”، “مسلمين” وحتى إذا حكى عن خبرته الشخصية. هذا ليس خطاءه، بل أزمة لغة. نحن لا نمتلك شكلاً أخر للتواصل فيما بيننا. حتى عندنا نتحدث عن أنفسنا. فما ” أنا ” إلا نوعاً من التعميم، تعميماً يُفرض على جسد من أجزاء، مزاج بحالات، ذهناً بأفكار ومشاعر أحاسيس تتغير في أجزاء من الثانية. ولكن حتى نتواصل فليس لدينا إلا هذه الأداة التعميمية.

هل هناك من قتل؟ نعم، هل هناك من سرق؟ نعم، هل هناك وهناك وهناك؟ نعم، نعم، نعم. ولكن هل هم نسخ من نفس الشخص، أم أشخاصاً مختلفين. إذا كانوا مختلفين، فلماذا نبحث عن صفة مشتركة لنصنع منهم “هؤلاء”؟

أجلس مع أصدقائي، نأكل الحلوى، بينما من بجانبنا يأكلون الفاكهة. هوسي بذاتي يتمدد، فيصبح هناك أصدقائي، طعامي، طاولتي، وعدائي لما هو خارجي يتمدد. فيصبح هناك “هؤلاء” الآخرون الجالسون بالجنب الأخر من المطعم يتناولون شيئًا مختلفًا “عني”.

رسم خطاً على خريطة لا يخلق دولة. ولكن كم من البشر ماتوا إيماناً بهذا الخط على الخريطة؟ وكم سيموتون إيماناً بهوية زائفة فُرضت عليهم ؟ هوية زائفة قائمة على نوعًا من التعميم. وهكذا كل هويتنا.

وأكرر، كراهيتي لا تختلف عن هذا القاتل. ذات السم، ذات الغُفل، ذات الارتباك. “أنا” بسبب تعليمي وتدربي وثقافتي، جلست أحلل “هؤلاء” القتلة، ومرجعياتهم، وأصولهم، وأسبابهم. بينما على الطرف الأخر، “هؤلاء” من تم تصنيفهم التصقوا أكثر ببعضهم. فكل من حولهم يصدق في وحدتهم ويهاجهم بذات الاتهامات، فكيف لا يلتصقوا سويا ؟ “هم” أيضاً لديهم من يصرخ بأذانهم من ميلادهم بأن هناك “هؤلاء” يكرهونهم، يحقدون عليهم، ويحاربوهم. “هم” أيضًا لديهم من يصرخ بأذانهم من لحظة ميلادهم بأن “نحن” الخير والأفضل من “هؤلاء”. وليس هناك “نحن” أفضل من “هؤلاء”. فكله تعميم وارتباك قائم على تعميم، وجهل بالواقع قائم على ارتباك. ودائرة لها نهائية الكل خاسر منها.

أنظر إلى “هؤلاء” ويملأني الغضب لما يقومون به، الكراهية لما فعلوه، وتعميماً كاملاً ضدهم. لكن ما كيف ساعدت أي شخصاً أخر بمشاعري هذه؟ بينما أجلس هنا على بعد ألاف الكيلومترات عما يحدث، هل تفيد مشاعري السلبية أحداً ؟ هل تعزي أحداً ؟ هل تلضُم رتقاً ؟ هل تُصلح بين أحد ؟ في كل مرة أنظر فيها إلى أفعال “هؤلاء” وأرضخ لمشاعري السلبية فأنا فقط أكمل وجودي كترساً بهذه الآلة التي لا أرى مخرجاً من أسلحتها.

إذا لم تفدني مشاعري السلبية، فلماذا أتمسك بها ؟ إذا لم يستفد أي شخص من مشاعري السلبية، فلماذا أتمسك بها ؟ ألن يكون عملياً أن أتخلى أولاً عن مشاعري السلبية حتى أستطيع أن أرى شيئا إيجابياً يمكنني القيام به في وسط هذا الظلام ؟

أغلق عيني وأتخيل أسرة ما، أب كادح، أم مكدودة، أطفالاً جائعين يجلسون على طوالة العشاء بإنتظار الطعام، أمام شاشة ما ينظرون بهلع. لا أعرف ديانتهم، لا أعرف مكان عيشهم. لا أعرف أي شيئًا عنهم سوا إحساسهم بالخوف. تعاطفي مع هؤلاء. مع كل من يراقب شاشة ما ويشعر بالخوف، تعاطفي معك. مع كل “هؤلاء” أنا متعاطف. فأنا “هؤلاء”.

أرجُنَ برَنَذي

هل ساعدك هذا المقال ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقك !