الصلاة من الأشياء التي دمر معناها رجال الدين العرب الفترة الماضية وتحولت إلي حركات آلية لا تفيد أحد بل تضر ! ، علي العكس العرب زادوا في حركاتهم الآلية وزادت عليهم المشاكل والهموم والأوجاع والأمراض وأحاطهم الرجس من كل إتجاه كما وعدهم ربهم في القرآن ( ويجعل الرجس علي الذين لا يعقلون ) ، ولم يعلموا أن عيش الحياة بآلية غير صالح للبشر وغير صالح للحيوانات ، ” وقد يكونوا جهلوا معناها ولم يستطيعوا أن يتوصوا لعمق معناها بعد فأعطوها أي مسمى يعرفونه ” .
– تأمل! ، قال تعالى ” قد أفلح المؤمنون (1) الذين هم في صلاتهم خاشعون (2) والذين هم عن اللغو معرضون (3) والذين هم للزكاة فاعلون (4) والذين هم لفروجهم حافظون (5) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (6) فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون (7) والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون (8) والذين هم على صلواتهم يحافظون (9) أولئك هم الوارثون (10) الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون (11) “
تأمل معى في ثاني آية بعد أن ذكر الله أن المؤمنون أفلحوا قال ( الذين هم في صلاتهم خاشعون ) ، ثم بعد 6 آيات أخلاقية سلوكية حياتية يقول الله في الآية السابعة ( والذين هم علي صلواتهم يحافظون ) ، صلاتهم كما قولتها في مقال سابق ( اقرأ: فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) وهي تفاصيل حياتهم ، أي علاقة قلب الإنسان بالله في طوال رحلة الحياة ، ثم بعدها وبعد الكثير من الأمور الأخلاقية الإنسانية ذكر ( والذين هم علي صلواتهم يحافظون ) .
* فهناك فرق بين الصلاة والصلوات !؟
– الصلاة هي رحلة التأمل والتفكر والتدبر بتجرد كامل عن كل الموروثات التي ورثها الإنسان عن أبواه أو أجداده أو البيئة الإجتماعية التي نشأ فيها بما في ذلك مفهومهم عن الملة الإسلامية أو المسيحية أو أي ملة آخرى هو توارثها عنهم ، أي بتجرد كامل بعيداً عن مفهومهم عن الله وعن الإنسان وعن الحياة كلك ، والصلاة هي الصلة القلبية القائمة علي الإيمان والحب الحقيقي عن طريق رحلة التجربة والتأمل والتفكر والإحساس وليس الإيمان الأعمي أو الحب الأعمى الموروث الكاذب المزيف .
وتلك الصلاة لا يوجد لها مكان معين ولا زمان معين فهي صالحة في كل مكان وفي كل زمان وتحت أي ظروف ، وتلك الصلاة من يسير في طريقها بتجرد وبحق بعيداً عن موروثاته والأنا والإيغو الخاص به هو وعشيرته ، فإن الله ينعم عليه بالنور والخشوع فيصبح هو والحياة واحد ، فتذوب فيه الحياة في علاقة حميمية رائعة قليل من يحيا في رحابها في كل جيل ، فأكثر الناس تعيش في حالة صراع مع قلوبها ومع الحياة لأنهم متمسكون بموروثاتهم الفاسدة ويقدسونها حتى الموت لذلك فهم يموتون كل يوم ولا يعرفون معنى الحياة ولا طعهما كيف يكون ! ، وتلك الصلاة مستمرة طوال اليوم .. أي مستمرة مدى الحياة لا تتوقف أبداً .. فهي كالأنفاس وكنبضات القلب لا تتوقف أبداً إلا عندما تخرج الروح من الجسد ، فتحلق في سماء الرحمن ومعها النور والخشوع والحب الذي كان ينير حياة هذا الجسد .
– الصلوات وهي الصلوات الـ 5 في المسجد لو كنت أنت متبع للملة الإسلامية ، ولكل ملة آخرى مسيحية أو يهودية أو .. لهم صلواتهم في أماكن العبادة الخاصة بهم .
* الأهم دعنا نرجع ونغوص أكتر في معنى الصلاة لأنه كما قولت لك هي الأهم وهى الأقوى وهي أساس حياة الروح والجسد ، دعنا نتأمل حياة الأنبياء والرسل ورسول الله محمد بن عبد الله …
– هل تعلم أن الوحي بدأ في النزول علي رسول الله محمد بن عبد الله وهو يبلغ من العمر حوالي 40 عام أو أكثر !؟ ، هل تعلم ما معني هذا ؟! .. هل تفكرت وتأملت ولو لمرة لماذا في هذا العمر !؟
لماذا لم يهبط الله عليه الوحي وهو عنده 18 عام أو علي الأكثر 20 عام !؟
وهل كان قبل نزول الوحي الله يكرهه ويبغضه لأنه لا يدخل المساجد ( فهى لم تبنى بعد ) أو قل لأنه لا يدخل الكنائس ولم يذهب للديانة المسيحية أو قل لأنه لم يظل علي دين أبواه يعبد الأفكار والمشاعر التي يعتبرها أبواه أنها = الله نفسه 100% !!!
ليتكم تتفكرون ولو قليلاً بدلاً من أن جعلتم من الإنسان سواء ذكر أو أنثي آلة ديناميكية تعمل بلا عقل وبلا شعور ، تعمل حتى بلا إرادة وبلا حرية ، آلة ميتة تماماً لا تنتج أي شيء صالح للحياة ولا تمنح الحياة لأي شيء حتي لأنفسنا .. !
هل لو كان الله أنزل محمد في عصركم الآن ولم يذهب جوامعكم كثيراً كأنه آنسان آلي أو أنه لم يذهب ليسمع خطبة الجمعة التقليدية التي لا تفيد طفل في شيء بالعكس فهي تضره وتدمر فطرته وعقله وحياته ، هل لو كان لا يفعل ما تفعلون ولا يؤمن بالآلية ولا يؤمن بالكثير من أفكاركم لأنه كافر بها وإختار أن يجلس في غار أو يسافر أو يجلس في البيت ويعتزلكم أغلب وقته لغوص في نفسه وليتأمل قلبه والحياة من حوله ويبدأ رحلة حياته الحقيقية بعيداً عن الموروثات المزيفة الفاسدة .. هل ذلك الفعل يجعله كافر الله أو يجعل الله يكرهه !؟
بكل تأكيد لا ، لن يكرهه الله أبداً ، وأصنامكم الفكرية الميتة لن تستطيع أن تضره في شيء.. !
– ما هو أول ما قام به الأنبياء والرسل !؟ هل العبادات الظاهرية بآلية !؟ هل قراءة الكتب المقدسة التي نزلت قبلهم بآلية !؟ هل اتباع أبواهم ومجتمعاتهم بشكل أعمى كأنهم لا يعقلون وكأن لديهم قلوب لا تسمع ولا ترى ولا تشعر ولا تعقل !؟
أول ما قام به كل الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله للأرض هى الدخول في رحلة من التأمل والتفكر المتجرد في أحوالهم الشخصية الغير جيدة وأحوال مجتمعاتهم والتي لم تعجبهم ولم ترضيهم تلك الأحوال الشخصية التي عاشوا فيها فترة من اعمارهم ، وبعد الدخول في تلك الرحلة المقدسة بدأوا يكتشوا مدى فساد مجتمعاتهم أو أكتشفوا فقط نقاط الفساد في مجتمعاتهم ، أي بدأوا في إصلاح أنفسهم وتطويرها والارتقاء بأرواحهم أولاً ثم بدأ الله ينزل عليهم بركاته ورحماته والوحي .
( فهم لم يعلموا أنهم رسل من عند الله منذ البداية ! ، هم علموا ذلك وبدأ الله يكلمهم وينزل عليه ملائكته بعد فترة من الزمان ، فلا يوجد نبى منذ خلقه وهو يعلم أن الله بعثه كرسول إلا سيدنا آدم فقط ، غير ذلك كل الأنبياء بعد أن يمر عليهم فترة زمنية يعيشون فيها مع آباءهم ومجتمعاتهم يبدأ الله ينزل عليهم الوحي . )
– فلنرجع إلي قصة حياة رسول الله محمد ، الوحي بدأ ينزل عليه وهو في عمر الـ 40 عام وعندها بدأ يعلم أن الله أختصه برسالة ما ليصلها للناس ، قبل الـ 40 عام ماذا كان يفعل !؟ بكل تأكيد التأمل في نفسه وفي المجتمع الذي نشأ فيه وفي الكون .
وهذه هي رحلة حياة أي إنسان يجب أن يدخل لتلك الصلاة ، يجب أن يعيش في محراب هذه الصلاة حتى يبدأ يحيا الحياة بحق من أعماق قلبه ، فالرسول محمد مثلاً بعد أن تأمل تطهرت روحه من الكثير من العادات والتقاليد الفاسدة في مجتمعه فكان مميز للغاية في مجتمعه لأنه يعيش من خلال قلبه لا من خلال العادات ولا من خلال تقديس إنسان أو الخوف من إنسان آخر مهما كان هذا الإنسان .
وبعد تلك الرحلة من التطهر بدأ ينزل الله النور علي قلبه وينير حياته أكثر ، فرغم أنه كان يعيش في مجتمع فاسد تماماً إلا أنه كان نور يسير بين الناس ، وبعد فترة من تطهر روحه بصفة مستمرة ظهر في حياته توأم روحه سواء شريكة حياته أو توأم روحه صديقه أبو بكر أو غيرهم من الأصدقاء الذين وقعوا في حبه كما هو بدون أن يحاولوا أن يغيروه ليصير مثلهم .
وهذه الرحلة من التطهر يحتاجها كل إنسان سواء ذكر أو أنثي ، حتى يعيش حياة سعيدة مع نفسه ويجد أفضل العلاقات الحقيقية الروحية ، فكل إنسان اليوم في الغالب الأعم لا يرضى عن أغلب العلاقات التي يعيش فيها ، ولا يرضى عن الكثير من الأمور في حياته ، وبالتالي فهو يسعى إلي حاضر أفضل ومستقبل أفضل ، أي هو يحتاج إلي رحلة من التأمل والتفكر والتطهر الروحي المستمر ليصل لتوأم روحه سواء شريك حياته زوج نفسه أو توأم روحه في مجال العمل والرسالة التي خلقه الله من أجلها أو توأم روحه كصديق حياته أو كصديقته حياته .. ومن الممكن أن نعطى مثال الممثل الهندس الرائع شاروخان .
اقرأ: قصة حياة شاروخان
وهذه الصلاة ، وهذه الرحلة أنا أسميها ( رحلة طفل يبحث عن حياة ) ، وهذا هو عنوان رواياتي القادمة القوية .
تأمل معى تلك الآيات ..
– قال تعالى: الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون )
” يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ” ، الإيمان بالغيب وإقامة الصلاة شيء واحد لا ينفصلان ، لا يمكن أن يكون الإنسان لا يقيم الصلاة ومع ذلك مؤمن بالغيب سيكون مجرد كاذب يردد ما ورثه عن آباءه وأجداده فحتى لو قالوا له أقتل نفسك ليرضى الله عنك سيفعل ذلك بدون أن يفكر فهو لا عقل له ! ، وجملة يؤمنون بالغيب جملة كبيرة جداً تحمل الكثير من المعاني في الحياة وليست في الموت فقط كما توارثناها فكما قولت لك هم يرون أن القرآن كتاب موت وأنا آراه أنه كتاب حياة .
الأهم تأمل معى بعمق أكثر فالله قال: الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة وبعدها الله يقول: ” ومما رزقناتهم ينفقون ” !! ؛ لأن الإيمان بالغيب الذي يأتي نتيجة إقامة الصلاة وهي ( التأمل والتفكر المتجرد والبحث وبذل المجهود الذهني والشعوري .. ) وبالتالي يأتي بعدهم رزق .. لابد أن يأتي بعدهم رزق لا ضيق في الرزق .. لا تعاسة .. لا فقر .. فلا يمكن أن يأتي بعدهم فقر مادي أو فقر معنوي ! ، أي بعد الإيمان بالغيب نتيجة إقامة الصلاة الحقيقية سيأتي لهذا الإنسان الكثير من الرزق الذي سينفق منه ، مثال علي ذلك: بيل غيتس ، كان يؤمن بالغيب وهي فكرة شركة ميكروسوفت ، وكان مع الإيمان بالغيب هناك إقامة للصلاة بشكل متواصل طوال حياته لا تتوقف هذه الصلاة إلا دقائق قليلة أو قد لا تتوقف أبداً .. وبعد الإيمان بالغيب والصلاة جاء له الكثير من الرزق .. كان حقاً عن الله أن يرزقه .
– قال تعالى: ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون )
” لا تعبدو إلا الله وبالوالدين إحسانا ” ، وقولته في مقال سابق عن الوالدين وأن الله دائماً يذكر عبادته وبعدها يقول بالوالدين إحسانا أو يذكر الشرك بالله ، لأن أكثر أكثر الناس تعبد والديها من دون الله وهذا سبب جحيمهم ، فالله لم يخلقهم ليرثوا ديانات أبواهم ومفهومهم عن الله ويعيشوا به وكأنه لا يعقلون ، بل يجب عليهم أن يعاملوا أبواهم بالحسنى وأن يتنجنوا الشرك بالله لأنه يدمر حياتهم .
الأهم تعالوا ندخل لموضوعنا الأساسي وهو الصلاة ، فلو تأملت الآية ستجدها في البداية تقول عبادة الله فقط أما الوالدين لهم الإحسان لا أن نعبدهم ولا أن نعبد ما يعبدون بالوراثة البحتة ثم نقول اننا نعبد الله ! ، ثم بعدها الآية تتحول لإنسانية فليس فقط الوالدين لهم الإحسان بالأقارب واليتامى والمساكين لهم كذلك الإحسان ، ثم قال تحدثوا مع الناس بلطب وبحسن أخلاق ، عندما تفعلون ما سبق سيكون من السهل جداً إقامة الصلاة ، والتي معها ستساعدون الآخرين بكل تأكيد لأنهم متصلون بالله ، فالله يرزقكم وأنتم تعطونهم مما يرزقكم الله .
– قال تعالى: ( فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا )
وهنا الصلاة في أول الآية قد تكون معنى الصلاة العادية ( كصلاة الصبح ، الظهر ، .. ) وهناك آيات تأتي كلمة الصلاة بمعنى الصلوات أنا لا أغفل ذلك ولكني أرى الآن أن كلمة صلاة لها معنى آخرى غير الصلوات ، فالله يقول في الآية السابقة إذا انتهت الصلاة فإذكروا قياما وقعودا وعلي جنوبكم .. كيف سيكون ذلك الله في تلك الحالات !؟ ليس ترديد أذكار الصباح والمساء بآلية ومحاولة ان تصبح أكثر عدداً لجني حسنات أكثر !! .. إنما الأمر استشعار بالله أولاً .. وذكر الله قد يكون في الحديث مع من بجواري بحب بتفاؤل بسلام فأنا في هذا الوضع أذكر الله .. وعندما اتحدث مع من بجواري بكره وبتشاؤم وبحقد وبغل فأنا في هذه الحالة أذكر الشيطان ! ، وفي النهاية الله يقول ( ان الصلاة كانت علي المؤمنين كتابا موقوتا ) ، وهم قديماً يقولون أن موقوتا أي مفروضا ، وأنا أقول معناها أنها ملازمة مع أنفاسهم ونبضات قلوبهم ، فهم دائماً وأبداً في صلاة .
– قال تعالى: ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا * إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا )
تأمل سياق الآتين بهدوء ، خلف أي جيل أضاعوا الصلاة ( سواء بالمعنى التقليدي وهي الصلاة في المسجد أو الكنيسة أو بالمعني القلبي الشخصي من وجهت نظر قلبي وهي أن الصلاة القلبية الحسية القائمة علي التأمل والتفكر المتجرد والتجربة والاختيار الحر بعيداً عن الموروثات والخوف وتقديس الأهل أو المجتمع . ) ، واتبعوا الشهوات ( وكما قولت لك في مقال سابق الشهوات هي كل ما يكتسبه الإنسان من البيئة وليس ما زرعه الله بداخله بالفطرة ، فالجنس ليس شهوة بل فطرة وغريزة ، حب المرأة للرجل أو حب الرجل للمراة ليس شهوة بل غريزة .. اقرأ: زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير )
وبعد أن ذكر الله وصف هذا الجيل السيء الله في الآية الأولي وبعدها مباشرة يقول ( إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً ) ، تاب وآمن عمل قلبي ، الصلاة القلبية وليست الصلاة الآلية بأي شكل من الأشكال ، وبعد العمل القلبي يأتي بكل تأكيد العمل الصالح المحسوس والملموس المادي .
– قال تعالى: ( إن الإنسان خلق هلوعا (19) إذا مسه الشر جزوعا (20) وإذا مسه الخير منوعا (21) إلا المصلين (22) الذين هم على صلاتهم دائمون (23) والذين في أموالهم حق معلوم (24) للسائل والمحروم (25) والذين يصدقون بيوم الدين (26) والذين هم من عذاب ربهم مشفقون (27) إن عذاب ربهم غير مأمون (28) والذين هم لفروجهم حافظون (29) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (30) فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون (31) والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون (32) والذين هم بشهاداتهم قائمون (33) والذين هم على صلاتهم يحافظون (34) أولئك في جنات مكرمون (35) )
أيضاً ذكر آيتين في أول وفي نهاية الفقرة ، أول الفقرة ” الذين هم علي صلاتهم دائمون ” وفي نهاية الفقرة ” والذين هم علي صلاتهم يحافظون ” ، وفي المنتصف صفات إنسانية بحتة ، صفات أخلاقية تفعلها الأرواح الراقية فقط .
فأول صفة من صفات المصلين ، قال ” علي صلاتهم دائمون ” ، دائمون حيث لا يحدث أي إنقطاع في أي مكان أو في أي زمان !! ، حياتهم كلها صلاة .. أفعالهم وسلوكياتهم صلاة .. أنفاسهم ونبضات قلوبهم صلاة .. ثم في النهاية ذكر أنهم علي صلاتهم يحافظون تلك الصلاة التي ذكرها في البداية هم يحافظون عليها ، فكلما حدث فيها خلل ما نتيجة فكرة سيئة أو إعتقاد موروث فاسد ينتفضون ويهبون إلي إصلاح هذا الخلل أو تدمير هذا الإعتقاد الفاسد ؛ لأنهم يحافظون علي صلاتهم .
– قال تعالى: ( يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون * وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون * ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون * وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين * أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون * واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين * الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون )
” وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين ” ، أي ما يصلح كل مشاكلهم الماضية هي أولاً إقامة الصلاة ، ثم آتاء الزكاى ، ثم أن يركعوا مع الراكعين في صلاتهم الخاصة ، ثم قال لهم أنتم تأمرون الناس بالبر ولكن لا تأمرون أنفسكم وتنسونها أفلا تعقلون ! ، ثم قال لهم استعينوا بالصبر والصلاة ، الصبر علي ماذا ؟ لأن الصلاة ( التأملية القلبية الفكرية .. تلك الرحلة ليست سهلة تحتاج إلي الصبر ، لأنك لا تقوم بحركات آلية كمان يقولون لك أبواك ، بل أنت تقوم بالغوص في أعماق كيانك ونفسك وتصلح نفسك ، وتغوص في الكون وتتأمل كل ما فيه وتتأمل مجتمعك بكل ما فيه ، والخاشعون في تلك الصلاة بكل تأكيد هم مؤمنون أنهم ملاقو ربهم أنهم في النهاية راجعون إليهم وإلا لخافوا من أباءهم ومجتمعاتهم أن تغضب عليهم إذا اختلفوا عنهم أو خافوا من الكثير من المخاوف الآخرى التي تملأ حياة الإنسان المادي .. ) ، فهذه الصلاة هي التي ستصل بقلب الإنسان إلي مرحلة القلب السليم كما قولت لك في هذا المقال: علامات القلب السليم
* وهناك آيات ذكرت فيها كلمة صلاة بمعنى الصلوات الحركية الخمسة المعروفة في الملة الإسلامية مثل:
– قال تعالى: ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين )
– قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون )
أي الصلاة ليست فقط معناها ما أقول وإنما أحيانا تكون معناها الصلوات الحركية ( الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء ) ، ولكني أقول وأؤمن أن بدون الصلاة الأساسية والتي أتحدث عنها لا قيمة للصلاة الحركية ، وإن أستثمرت سنوات من عمرك في الصلاة القلبية التأملية بدون أن تفعل الصلاة الحركية الخاصة بالملة التي توارثتها من أهلك ( الإسلام ، المسيحية ، اليهودية ، … ) فأنت بكل تأكيد رابح وسعيد في الدنيا والآخرة .. وأنت بكل تأكيد الأقرب إلي الله .. وإن مت وأنت متصل بالصلاة القلبية ولكن لم تصل بعد لمرحلة الصلاة الحركية فأنت أقرب لله من الكثير من البشر الذين يمارسون الصلاة الحركية بدون عقل وبدون شعور وكأنهم آلات .
كالعرب مثلاً في الجيل الماضي خلال الـ 60 عام الماضى ماذا فعلوا !؟ أكثروا من الصلاة الحركية الآلية ، أكثروا من حضور خطب الجمعة الفارغة من أي معنى او قيمة حقيقية ؛ لأن رجال الدين أخافوهم من عذاب الله وجحيمه إن لم يطيعوهم ويخضعوا لأفكارهم عن الله !! ، فهل الصلاة الحركية الآلية أو حضور خطب الجمعة علي مدار أعمارهم وعلي مدار الـ 60 عام الماضي أفادهم في أي شيء !؟ ، علي العكس تحولوا لقتلى محترفين جداً .. ( سواء قتل الإنسان بدم بارد مرة واحدة في ثانية لأنه لا يتفق مع أفكارهم وغرورهم الخاص أو قتل الإنسان علي مدار عمره مئات المرات بل آلاف المرات كل يوم يقتلونه ويقولون نحن لسنا السبب في بؤسك وجحيمك الذي تعيش فيه ، وإنما الله هو من يريد ذلك .. هذه هي افكار الله وهذه هي إرادة الله وهذه هي رغبة الله منك .. إعترض علي الله إن استطعت وسنقتلك في ثانية فأنت لا قيمة لك أمام أصنامنا الفكرية ، فهي تعذبنا وتدمر حياتنا والسبب في معاناتنا ومع ذلك نحن نقدسها ونعبدها ، فنحن قمنا ببيع أنفسنا وحياتنا وقتلنا قلوبنا في هذه الحياة بأيدينا فمن أنت لتكون أغلي من قلوبنا ، سنقتلك ببساطة !! ) ، وتحولوا إلي حمقى محترفين يستطيعون تدمير أي مجتمع في وقت قياسي ، ويستطيعون تدمير أي نعمة من نعم الله الطبيعية في وقت قياسي جداً ، وتحويل هذه النعمة إلي نقمة قاتلة .
وأكبر دليل علي أن الصلاة في القرآن ليس فقط معناها الصلاة الحركية ، تلك الآيات تأملها:
– قال تعالى: ( قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد )
كيف كان يصلي شعيب !؟
– قال تعالى: ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )
كيف يصلي الله وملائكته علي النبي !؟
– قال تعالى: ( ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون (41) ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير )
– كل من في السماوات والأرض ، كل طائفة علمت صلاتها وتسبيحها ، إذاً هناك أنواع كثيرة تندرج تحت كلمة صلاة .
عبدالرحمن مجدي
هل ساعدك هذا المقال ؟