الرئيسية » خواطر » كلمات رائعة » مشاعر مبعثرة داخلنا

مشاعر مبعثرة داخلنا

بواسطة عبدالرحمن مجدي
2957 المشاهدات
همسات وخواطر وكلمات مبعثره
من فضلك. لما تبعتلي رسالة تشتمني وتقولي في آخرها “بلوك”، إعملي بلوك فعلًا لإنك كدة بتلعب بمشاعري وبتديني أمل، وأنا كبرت على دا.
– – – – – – – – – – – – – –
أحد السجون التي ينبغي للواحد أن يتحرر منها هو رغبته المستمرة في إعادة خلق حالة ذهنية مر بها في الماضي، وظنه أنه لن يكون سعيدًا إلا لو عاد إليها. على الواحد قبول أن المنحنى يتجه أحيانًا لأسفل، وأن الأشياء التي تسوء مع الوقت لن تتحسن، بل ربما تتبدد تمامًا في النهاية، لعلها تترك مكانها لأشياء غيرها، أفضل أو أسوأ، أو تترك ثقبًا واسعًا في الروح، يتعلم الواحد مع الوقت كيف يسده كي لا يبتلع ما حوله. والشاعر “راينر ماريا ريلكى” كان نبيهًا، إذ يقول:
 
“دعَ كل شيء يحدث لك،
جميلًا كان أو مريعًا،
فقط استمر بالحركة،
لا شعور يدوم.”
– – – – – – – – – – – – – –
لا أذكر نص الحديث، ولا أعرف مدى صحته، لكنه يذكر اللحظة الأولى لدخول المؤمنين الجنة، وكيف سيأخذهم ما وجدوا، حتى يقسمون بالله أنهم لم يروا شقاءً في حياتهم قط. تأثرت بالتعبير وأفكر فيه كثيرًا. الأشياء العظيمة لا تغير الحاضر وتعد بالنعيم في المستقبل فقط، بل تمتد إلى الماضي وتغيره. تمحو منه أو تزيد له. يحدث شيء لك، والآن أنت في رضا عن كل شيء قادك للحاضر، حتى وإن كان سلسلة من الأحداث المؤسفة. من أبسط الأمور، رشفة القهوة الأولى التي تمس الروح فيظن الواحد أن يومه لم يكن بهذا السوء، وحتى لقاء السبيشال سموان فيظن أن حياته كلها لم تكن بهذا السوء. والأمل في شيء بهذا الحجم مخيف إن لم يكن وراءه قوة إلهية. عندما أفكر في هذا الحديث تخف قبضة الماضي حول رقبتي شيئًا قليلًا.
– – – – – – – – – – – – – –
كل يوم ماما بتعملي الفطار، تسقي الزرع في البلكونة، تجهز الأكل للقطة، وتحط الحبوب للعصافير. معندناش قفص للعصافير في البيت، لكن ماما بترش الحبوب على جلسة الشباك للعصافير في السما. علشان كدة كل يوم الصبح، بمجرد ماما تصحى من النوم ونسمع صوت خطواتها في الصالة، أنا بطالب بالفطار، والقطة بتنونو وتتنطط حواليها، والعصافير بتزقزق على الشباك، وأكيد الزرع بيتعدل وينتبه في البلكونة. تجسيد للرحمة والحياة المتنقلة التي يعتمد عليها كل شيء. في حين إن ماما لما سافرت للحج، وأنا كنت لوحدي، تحول البيت لبيت رجل أعزب مهمل، يجوع فيه الطير ويعطش فيه الزرع وتفكر القطة في اللجوء لبيت آخر.
أنا أتعلمت وحبيت القراية من ماما، لكن الحاجات إلي أثرت فيا فعلًا كانت الحاجات الصغيرة إلي اتعلمتها منها، بدون قصد منها، كعادتها لما أكون خارج وعلى باب الشقة، فتنادي عليا من جوا “متنساش أكل العصافير معاك وأنت راجع.”
– – – – – – – – – – – – – –
أحيانًا تراودني رغبة قوية أن أقوم من مكاني، أفتح الباب، أخرج إلى الشارع، بما علي من ثياب، أمشي، وأظل ماشيًا في طريق مستقيم بغير هدف ولا توقف، حتى ينتهي العمران حولي، إلى الصحراء، وأظل ماشيًا في خط مستقيم تمامًأ، بغير هدف وبلا توقف، أنام تحت الشجر وأشرب من الأنهار، أسأل الغرباء الطعام، وأظل ماشيًا، تاركًا كل شيء خلفي، للأبد، وأظل ماشيًا حتى أصل لعمران جديد، وبلد جديد، أظل ماشيًا في خط مستقيم، بغير هدف ولا توقف، أصل لشفا البحر، أركب سفينةً، أظل ماشيًا على سطحها، ألف وأدور في دوائر، حتى أصل قارةً جديدةً، أنزل وأمشي، في خط مستقيم بلا هدف ولا توقف، وأظل ماشيًا، ماشيًا، ماشيًا، حتى ألف الكرة الأرضية، فأعود في النهاية إلي بيتي، أفتح الباب، وأدخل أنام شوية.
– – – – – – – – – – – – – –
تعلمت منذ كنت طفلًا أن ليس بيني وبين الله حجاب. الله الذي خلق السماوات والأرض، وصنع قلوب الأعداء والأصدقاء، ويمسك أعمدة المدرسة أن تزول. ثم صرت رجلًا كبيرًا مهمومًا طول الوقت، يبحث عن واسطة، ويتذكر أسماء أصدقائه المهمين عندما يقترب من كمين. الوقت كفيل بأن يضعك أمام نفسك، ويريك مدى نقصك. تسرب إلى نفسي احساس دائم خفي إني لو كنت غير هام في عين غيري، فإني غير مهم عند الله، وأني في حاجة لواسطة للاقتراب منه. فسد تقديري للأمور تمامًا. ولما كنت طفلًا، كنت أضع رأسي على وسادتي وقد استقر في قلبي أني لو سألت الله أي شيء في الدنيا، لوجدته عندما أفتح عيني في الصباح.
– – – – – – – – – – – – – –
الطريقة التي تعمل بها سماعات إلغاء الضجيج noise canceling ليست أن تمنع عن إذنك الضجيج الذي حولك، حيث أنه أمر شديد الصعوبة أن تضمن عدم تسرب الصوت لك. الصوت يجد طريقه دائمًا. الطريقة التي تعمل بها السماعات هي أنها تستمع للضجيج، ثم تولد موجات معاكسة له، بشكل آني، حتى إذا تراكبت الموجات، أزالت بعضها بعضًا، فلا تسمع أذنك أي صوت.
 
أفكر في هذا الأمر منذ فترة. ربما كان السبيل الأمثل لراحة البال ليس أن تمنع عن نفسك ما يزعجها، حيث أن الأمور السيئة، مثلها مثل الضجيج، تجد سبيلها دائمًا وتتسرب إليك. ربما كان الحل فعلًا هو أن تبحث عما يسعدك، أو على الأقل يجعلك أهدأ بالًا، وتسلم نفسك له، حتى تتراكب الموجات، وتزيل بعضها بعضًا عنك، فتتركك في هدوء، وسكون، وصمت، وأن الصفر في النهاية رقم لا بأس به أبدًا.
– – – – – – – – – – – – – –
أنا من الذين تحرروا بالكامل من التلفاز، وسلموا أنفسهم طواعيةً للإنترنت. لم أعد أعرف ترتيب القنوات في منزلي، وربما لا أعرف كيف أستخدم الريموت إلا في حدود (فوق وتحت للقنوات، يمين وشمال للصوت)، في حين أني أعرف دهاليز اليوتيوب المظلمة وأحفظها كظهر يدي.
 
لا أقرأ الجرائد، وإنما أقرأ التعليقات عليها في الانترنت. لا أركب التاكسي، بل أوبر وكريم. لا أسأل الناس عن الإتجاهات، بل جوجول إيرث. لا سينما، بل نتفلكس.
 
أتاحت لي التكنولوجيا عزلة مقننة عن الناس بدون خسائر تُذكر. كما أتاحت لي قدرًا معقولًا التحكم في التفاصيل.
 
منذ يومين أنقطع عني الإنترنت، لأن تي-إي داتا ستظل تي-إي داتا، واضطررت لفتح التلفاز، حيث وجدت أحد أفلامي الكلاسيكية المفضلة، وقررت متابعته إلي النهاية، لإنه لا يوجد أفضل من مشاهدة فيلم جميل للمرة العاشرة.
 
في لحظة مهمة من الفيلم، حيث يوشك البطل أن يقول للبطلة أنه يحبها من كل قلبه، رن هاتفي بمكالمة هامة من العمل، لا يمكن تأجيلها، ووجدت نفسي لأول مرة منذ زمن طويل مضطرًا لأن أضيع شيئًا لأنه لا يمكن ايقافه. لا يوجد pause.
 
الفيلم مستمر في طريقه بدوني. لا ينتظرني. لسبب ما شعرت بأن الحياة كلها تسير مثل الفيلم في الحقيقة، لا تنتظرني، ولا يمكنني عمل شيء لألحق بها.
 
في كل لحظة يفوتني شيء ما.
– – – – – – – – – – – – – –
.
.
هل ساعدك هذا المقال؟ .. شاركه الآن!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقك !