الرئيسية » خواطر » خواطر جميلة » خواطر حزينه ومؤثره

خواطر حزينه ومؤثره

بواسطة عبدالرحمن مجدي
1730 المشاهدات
كلام حزين عن الحياة
أسوأ ما تفعله المدينة أنها تتبدل.. تغير ملامحها باستمرار.. تقيم بناء هنا.. تزيل بناء هناك.. تفتح شارعا هنا وتمحو شارعا هناك.. وهي حين تفعل ذلك لا تبالي بِنَا.. نحن أبناؤها الطيبون، الذين نحتنا ملامحها في وجداننا..
 
تغير المدن هذا.. يفرّغ ذاكرة الإنسان من كل ما كان حقيقيا وحميميا وقريبا.. ويملؤها بالأمكنة المتخيلة..
– – – – – – – – – – –
‫ليلة بعد ليلة.. يتمدد هذا الذئب الوحشي في داخلي.. يحتلّ كل شيء.. يملؤني تماما من الداخل.. أحسّ بقوائمه المكسوة بالفرو داخل ساقي.. تكاد عيناه الحمراوان أن تطلا من محجري! وتكاد أنيابه الحادة أن تظهر في زوايا فمي.. ويسيل لعابه السامّ على شفتي..‬
 
لكنني أكابر.. أتمسّك بما بقي مني.. وأرفض أن أقرّ بأنه أنا.. هو جزء مني فقط.. كبير جدا لكنه يبقى جزءا لا كلّا.. لا يزال هنالك بعض الخير في داخلي.. حتما لا يزال.. هذه الجملة تريحني.. هي ما تبقي عقلي في مكانه! إلى الآن على الأقل!!
– – – – – – – – – – –
‫النوم عملية صعبة.. لا بدّ للإنسان أن يهزّ سرير مخاوفه حتى تستكين.. أن يهدهد قلقه حتى يهدأ.. وأن يعد روحه المتعبة بغد مليء بالحلوى والموسيقى، حتى تنسى أوجاعها قليلا.. ‬
 
‫لكن برغم كل هذا الكذب الذي نمارسه بحق أنفسنا كل ليلة، إلا أن هنالك حقيقة واحدة ثابتة.. وهي أنه حتى لو لم يكن غدنا أفضل.. إِلَّا أننا كبشر سنكون أفضل وأقوى.. هذا مؤكد.. وهذه هي معجزتنا كبشر.. قدرتنا اللانهائية على الحرب والمواجهة. ‬
– – – – – – – – – – –
كم يتمنى الإنسان في ظل خيباته المتكررة، وفِي تلك اللحظات التي تحاصره الحياة فيها في زاوية ضيقة، لو كان لهذه الحياة كتيّب إرشادات صغير يعيننا على فهمها.. يشرح لنا بدقّة وخطوة بخطوة، ماذا نفعل لو حدث لنا كذا.. وكيف نتصرف لو حدث معنا كذا.. مجرد كتيّب صغير.. عدة صفحات تنير لنا هذا الدرب المعتم..
 
إِلَّا أننا ننسى أن تلك الإرشادات قد قدَّمت لنا بالفعل.. مرارا وتكرارا.. ومن أولئك الذين مَرُّوا بهذا الدرب من قبل.. إِلَّا أننا لم نتبعها.. لم نثق أن أولئك العجائز الذين بالكاد تحملهم عظامهم، يمكن لهم أن يدلّونا فعلا.. سذّج.. منفصلون عن الواقع.. ويعيشون في زمان آخر.. هذا كان رأينا الحقيقي فيهم.. لكننا لم نقله.. جاملناهم مبتسمين، شكرناهم على النصائح، وهذا كل شيء..
 
ربّما على الإنسان أن يعترف، أنه مهما كانت حاجته إلى النصيحة ملحة وقوية.. إِلَّا أن اعتداده بنفسه وإصراره على خوض الحياة ببنات أفكاره أقوى وأشدّ.. وأنه مهما تظاهر بالشكوى من انفراده بقراره.. إلا أن ذلك هو خياره في الحقيقة..
 
ربّما على الإنسان أن يعترف، بأنه دائماً ما اختار استقلاله بحياته.. وخطأه على صواب الآخرين.. وأنه راضٍ تماماً بالثمن الناتج عن هذا الاستقلال، مهما ادعى عكس ذلك..
– – – – – – – – – – –
وإن الأماني -وليست الكوابيس- هي ما تؤرق نومي يا سيد فرحان.. تلك الأماني الحلوة التي تتسلل نحو عقلي كلصّ..وتعود بي إلى رحاب الماضي.. لترسم لي عالما لم يعد بإمكاني العودة إليه.. ترسمه كاملا.. بسقوفه وجدرانه وأبوابه وأرضياته وكراسيه الملوّنة.. وترسم شمسا مشرقة وشوارع وأزقّة وأشجارا .. وتحيك سماوات زرقاء وقمرا من حليب.. وليال ماطرة.. ونسائم غربية باردة تخلع قلبي من مكانه..
 
وأراني هناك.. شابا قويا يافعا.. جالسا على طرف السرير مرة.. ممسكا بكتابي مرة.. وعاكفا على شيء ما مرة أخرى.. أبصر في عيني سعادة لم أعرفها.. وأسمع في أذني ضحكاتي التي لم أضحكها.. وأحس في صدري أحلامي التي لم أحققها..
 
وكما يهوي نجم فجأة من سمائه.. ينزعني شيء ما فجأة من ذلك العالم، ويقذف بي الآن وهنا.. فأنظر فيما حولي.. ثم أغمض عيني وأدفن رأسي في وسادتي.. وأصرخ بصوت مكتوم.. أن دعيني وما أنا فيه أيتها الأماني المستحيلة..
 
من رسائل الفتى ذي الرأسين إلى المعلم فرحان
– – – – – – – – – – –
واحدة من الخبرات اللذيذة التي يكتسبها الإنسان عبر التقدم في السن – وقد يكتسبها مبكرا – هي خبرة التعاطي مع العمليات الجراحية..
 
التعرض للعمليات الجراحية ينقل الإنسان من مرحلة أن المرض هو مجرد نزلة برد أو التهاب بسيط يمكن حلّه بالراحة والليمون وبعض المضادات الحيوية، إلى مرحلة يتطلب فيها الشفاء، أن تعيث فيها مشارط الأطباء في جسده يمنة ويسارا ..
 
بعد التعافي، يرى الإنسان أن هذا الجسد الذي أمضى وقتا جيدا وجهودا معتبرة في الحفاظ عليه رشيقا نضرا مثيرا، قد أمسى – وإلى الأبد – مشوها بندب كبير.. أو عدة ثقوب، بل وحتى قد تزال منه بعض الأجزاء.. لكنه لا يزال يعمل..
 
وهنا يدرك الإنسان حقيقتين مهمتين جدا.. الأولى أنك عشت ردحا طويلا من حياتك وأنت تعرّف نفسك بجسدك.. وكانت مجرد حبة حمراء صغيرة على وجهك أو بضعة كيلوغرامات إضافية كافية لتعكير مزاجك شهرا.. لكنًك تدرك الآن.. وبعد أن تغير جسدك كل هذا التغيير وبقيت كما كنت.. تدرك أنّك لست جسدك.. وتتوقف عن الإشارة لجسدك بكلمة أنا.. لأنه ليس أنت.. وهذا تصوّر مريح للغاية..
 
الثانية وهي الأهمّ.. أنه وبرغم كل مخاوفك السابقة.. فإن هذا الجسد الذي كنت تحميه من النسمة حتى، قد تعرّض لكلّ ما تعرّض له ولا يزال حيّا.. فلم كل هذا الهلع من التجارب التي تمس أرواحنا؟ ما الذي من الممكن أن يحدث للروح ويكون مختلفا عما حدث للجسد؟ لا شيء.. بعض الجروح والندوب.. ثم يشفى كل شيء…
– – – – – – – – – – –
.
.
هل ساعدك هذا المقال؟ .. شاركه الآن!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقك !