الرئيسية » الذات » تطوير الذات » فلسفة الحياة والموت في الاسلام

فلسفة الحياة والموت في الاسلام

بواسطة عبدالرحمن مجدي
1649 المشاهدات
خواطر فلسفة الحياة
– مقالة للتدبُّر .. وكل تدبُّر يأتى بما لا نألفه ..
.
(وما الحيواة الدنيا إلا لعب ولهو ، وللدار الآخرة خيرٌ للذين يتقون ، أفلا تعقلون) ~الأنعام : 32 .. الدنيا لعبة .. والفوز فى أى لعبة يعتمد بالدرجة الأولى على مسار اللاعب ، وليس على دراسة طبيعة ((الديكور)) الذى تحتويه اللعبة ، أو بالانشغال بتفاصيل ((السيناريو)) الذى وضعه المبرمج .. هكذا الدنيا ، تنفتح أبواب الفوز فيها عندما يهتم المرء بمساره فيها .. فإذا انتقل إلى الانشغال بفحص ما فيها ، والتوقف عند كل عثرة لمعرفة ماهيتها ، وتقليب كل حجر لمعرفة ما تحته ، انقضت اللعبة كلها وهو لم يبدأ بعد فى اللعب ، الذى هو الهدف من اللعبة ذاتها ..
 
بسم الله الرحمن الرحيم ..
 
1. مَن أنا ؟ ..
.
لقد سألت عن مجهول .. وحتى يمكنك دراسة مجهول ، ينبغى أن تدرس الجهل أولًا .. إنَّ هذا السؤال ليس له إجابة فى الدنيا ، لأنَّ الدنيا ذاتها لم تُخلَق لإجابة هذا السؤال .. الدنيا خلقت حتى ترى نفسك .. الدنيا خلقت لتكون مرآتك التى ترى فيها نفسك ، وتعرف قدراتك ، لا لتعرف ماهيتك .. ألعاب الفيديو لم يتم تصميمها من أجل أن يعرف اللاعب ماهية مكوناتها .. فلنأخذ مثالًا : لعبة سوبر ماريو الشهيرة .. لم تصنع اللعبة من أجل أن ينشغل اللاعب فى معرفة كنه الصخور التى يسير عليها ماريو ، أو طبيعة الأشياء التى تحاول أعاقته عن الوصول إلى هدفه .. إنَّ اللعبة مصممة بالدرجة الأولى لهدف واحد فقط : أن يرى اللاعب ما يمكنه فعله ، ويختبر مهارته فى مناورة الخصوم ، حتى يصل إلى الفوز .. بعبارة آخرى : اللعبة مصممة من أجل أن يرى اللاعب قدراته .. إمكانياته .. نفسه .. فقط .. و ليس لشىء آخر .. ولهذا كلما كان تركيز اللاعب موجهًا نحو الاستمتاع باللعبة ، كان أكثر قابلية للفوز فيها .. أما إذا تشتت تركيزه فى محاولة معرفة ما هى القوانين الفيزيائية لتلك الأشياء التى تظهر لتصطدم به فتمنعه من الحركة والمواصلة ، ومن أى شىء تتكون ، وما هى طبيعتها ، فسوف يخسر اللاعب عندئذٍ ، لأنه شغل نفسه بشىء لم تخلق اللعبة من أجله أصلًا .. فأضاع المعنى من اللعبة ، وأضاع فرصه فى الفوز ..
.
2. هل هناك مثال علمى على ما تقول ؟ ..
.
علماء الفيزياء النووية عندما قرروا معرفة ما هو الإلكترون ، فشلوا فى ذلك فشلًا ذريعًا .. إنَّ الإلكترون له طبيعة موجيَّة مذهلة الخصائص .. طبيعة تتلاشى عندها حدود الزمان والمكان ذاتهما .. فإذا تمت مراقبته وفحصه لمعرفة ما هو حقًّا ، وكيف يتصرَّف بهذه الطريقة ، تغيَّرت طبيعته تمامًا ليصبح محدود القدرات .. إنَّ مراقبة الأشياء لمعرفة جوهرها ، ومعرفة ماهيتها ، يؤدِّى إلى تغيير جوهرها وماهيتها .. تمامًا مثل الذى يمسك قطعة من الثلج ليقيس طولها وعرضها ووزنها ، فإذا بها تذوب بين يديه .. وكذلك الإنسان ، كلما كان منطلقًا فى الدنيا بطبيعته ، كلما رأى فى نفسه قدرات أدهشته هو شخصيًّا .. وكلما انفتحت أمامه آفاق فى هذا العالم تكشف له عن جوانب كثيرة رائعة لم يعتدها فى نفسه من قبل .. أما إذا بدأ فى قول أنه يعرف نفسه ، وأنه لا يستطيع فعل كذا ، وأن كذا صعب ، وأن كذا مرهق ، وأن كذا بعيد عنه ، وأن كذا لا يليق به ، فسوف يصبح مثل الإلكترون الذى فقد جماله ورونقه وفعاليته .. حتى الجبال لها طبيعة منطلقة فى الكون مثل السحاب ، ولكن ما يغيِّر طبيعتها بالنسبة إلينا هو ما نحسبه عنها .. (وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب ، صنع الله الذى أتقن كل شىء ، إنه خبير بما تفعلون) ~النمل : 88 .. الأشياء تظل محتفظة بطبيعتها المدهشة التى خلقها الله عليها ، فإذا دخلت تحت نطاق التحليل والدراسة فقدت طبيعتها .. وبالتالى يصير السؤال عن الماهية لا إجابة له على الإطلاق فى هذه الدنيا ..
.
3. ما الغرض من الدنيا إذًا ؟ ..
.
الغرض من وجود الدنيا ، أن يرى المرء وجهه الحقيقى ، عن طريق تفاعله فيها .. وهذا هو معنى (البلاء) .. البلاء هو إسم يُطلَق على تفاعل المرء فى الدنيا .. (بلاء) يعنى : بداية الآلاء .. والآلاء هى النعم .. إنَّ انطلاق المرء فى الدنيا وسعيه لمعرفة نفسه هو بداية تدفق النعم عليه ، وبداية ظهور النعيم عليه .. تمامًا كما قال النبىُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : “إنَّ الله إذا أحب عبدًا ابتلاه.” .. وكما قال الله تعالى : (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى . وأن سعيه سوف يُرى) ~النجم : 39 ، 40 .. تدبَّر معى هذه الآية الكريمة : (وهو الذى خلق السماوات والأرض فى ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملًا) ~هود : 7 .. أحسن عملًا يعنى أحسن وجهًا .. حتى أنَّ الآية ذكرت خلق السماوات والأرض فى ستة أيام ، إشارة إلى ارتباط دنيا المرء بوجهه المكون من ستة : أذنان (2) ، عينان (2) ، أنف (1) ، فم (1) ، فيكون المجموع ستة .. فدنيا المرء هى مرآة لوجهه .. وحسن الصورة نابع من حسن الأصل .. هذه هى خلاصة الدنيا .. ويمكننا التأكد من هذه الخلاصة إذا نظرنا كيف بدأ الخلق ..
.
4. كيف بدأ الخلق ؟ ..
.
(قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ، ثم الله ينشىء النشأة الآخرة ، إنَّ الله على كل شىء قدير) ~العنكبوت : 20 .. لمَّا خلق الله آدم عليه الصلاة والسلام ، أخذت الملائكة كلما راح أو أتى ، تنظر إليه بدهشة وانبهار بالغين ، متعجبون من بديع خلقته ، وحُسن استواءه ، وكمال اعتداله .. فتحيَّر آدم من نظراتهم ، وأراد أن يرى نفسه ، فخلق الله حواء عليها السلام ، حتى يرى آدم فيها نفسه .. وكان هذا هو المقصد الأول ، والمسعى الأوحد منذ البداية ، الذى سعى إليه آدم ، والذى يسعى إليه الإنسان : أن يرى نفسه .. فكانت حواء هى أول من رأى فيها نفسه ، فسمِّيت بذلك : (مرأة) ، واشتقت منها كلمة : (مرآة) جمعها : (مرايا) .. فكل ما رأيت فيه نفسك فهو مرآتك .. ولمَّا انطلق آدم و حواء فى الجنة يأكلا منها رغداً حيث شاءًا ، إنما كانا يرغبان فى رؤية أنفسهما أكثر وأوضح .. و مع كل وجهة كان ينطلق إليها آدم ويقصدها ليرى فيها وجهه ، كان يسابق حواء إلى أفضل أنواع الطعام وأجوده وكانت كذلك تسابقه .. فى غاية من الاستمتاع الحسن والسرور .. وهكذا لم تر منه حواء إلا خير وجه ، ولم ير آدم منها إلا خير وجه .. (ولكلٍّ وجهة هو مولِّيها فاستبقوا الخيرات) ~البقرة : 148 ، هذه الآية تصف حالهما فى الجنة ((وكذلك حال المرء إذا أراد أن تكون دنياه جنة)) ..
 
حتى وسوس إليهما الشيطان ليأكلا من الشجرة التى نهاهما عنها ربهما ، وأخذ يلح عليهما انَّ من يأكل من هذه الشجرة سيصبح نورانيًّا مثل الملائكة ، أو من الخالدين الذين يتنعمون فى نضرة دائمة ونعيم وشباب وحيوية لا تنقطع .. (فأكلا منها ، فبدت لهما سوءاتهما) ~طه : 121 .. فتحوَّل جمالهما إلى قبح ، فأصبحت حواء قبيحة فى عين آدم ، وأصبح آدم قبيحًا فى عين حواء .. (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) ~طه : 121 ، ظنًّا منهما أنهما بذلك قد يستعيدا نضرتهما وحيويتهما وجمالهما وبهاءهما السابق الذى خلقهما عليه ربهما ، فلم يفلح الأمر .. إنَّ آدم مفطور بطبيعته على الجمال والحُسن والخير ، هذا هو وجهه الحقيقى ، لهذا فزع فزعًا شديدًا لمَّا تغيَّر وجهه ، كأنما هو نفسه قد صار واحدًا آخر لا يعرفه .. وكذلك حواء .. (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا) ~الأعراف : 23 ، فكل مَن غيَّر وجهه الذى خلقه الله عليه فقد ظلم نفسه .. لهذا خُلِقت الدنيا ، حتى تكون مرآة للناظرين ، يرى فيها المرء وجهه الحقيقى كما خلقه ربه .. فإما أن يهتدى المرء إلى وجهه الحقيقى فيحافظ عليه ، ويلقى به ربه .. وإما أن يرفض الهدى ، فيسوء وجهه ، فيظلم نفسه .. وهكذا أهبط آدم وزوجه إلى الأرض ، بعد أن تاب الله عليه ، ليظهر من يظلم نفسه ومن يتبع هدى ربه .. ومن يتدبَّر القرءان يجد الهدى مرتبط بالخلق ، كما بيَّن (موسى) عليه الصلاة والسلام : (قال ربنا الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدَى) ~طه : 50 .. فرؤية المرء لنفسه تحتاج إلى هدى من خالقه ..
.
5. هل هناك كتب تحدثت عن الدنيا بهذا الأسلوب ؟ ..
.
كتاب (الكون الهولوجرافى) تأليف (مايكل تالبوت) : The Holographic Universe by Michael Talbot .. لقد وصل علم الفيزياء ، خلال سنوات من البحث والدراسة ، إلى نفس النتيجة التى وصل إليها علم البيولوجيا ، وهى أنَّ الكون بما فيه عبارة عن صور فراغية ثلاثية الأبعاد Holograms ، وأن كل شىء فى السماوات والأرض يتحرك حركة هولوجرامية ، تمامًا كما تتحرك السحب .. وهذه النتيجة فى حد ذاتها تجعل من الدنيا كلها مجرد لعبة ، مثل ألعاب الفيديو التى تحدثنا عنها .. وأن َّ الهدف منها ليس هو معرفة طبيعتها ، وإنما تدريب الإنسان ، وتنمية مهاراته ، على أداء أحسن الأعمال .. هناك كتاب آخر من كتب التراث العربى ، وهو الكتاب المكنون الخالد (المواقف والمخاطبات) للإمام الفذّ (محمد بن عبد الجبار بن الحسن النفرِّى) رضوان الله عليه .. ذكر فيه الإمام (النفرى) فى (المخاطبات) : “يا عبدِ : شىءٌ كان ، وشىءٌ يكون ، وشىءٌ لا يكون .. فشىءٌ كان : حبى لك ، وشىء يكون : ترانى ، وشىءٌ لا يكون : لا تعرفنى معرفة أبدًا.”.. ولهذا من الحكم المأثورة : “اعرف نفسك تعرف ربك.” ، والمقصود على وجه الحقيقة من هذه العبارة أنَّ المرء مهما حاول فلن يعرف طبيعة نفسه ، لأنه لن يعرف طبيعة ربه سبحانه وتعالى أبدًا .. فيصبح هدف المرء هو رؤية وجه الله تعالى .. فتصير أعماله كلها ابتغاء وجه الله .. وهذا هو الغرض من خلق الآخرة ..
.
6. ما الغرض من الآخرة ؟ ..
.
إذا كان الغرض من الدنيا هو أن يرى المرء وجهه من خلال أعماله فيها ، فإنّ الغرض من الآخرة هو رؤية وجه الله سبحانه وتعالى .. ولذلك فى الآخرة جنة و نار ، كما أن فى الدنيا أيضًا جنة ونار .. فنار الدنيا هى أن يسوء المرء وجهه ، فيظلم نفسه بعمل السيئات ، فلا يرى وجهه الحقيقى أبدًا .. فإذا صار إلى الآخرة لم يستطع رؤية وجه ربه ، لأنَّ من لم ير فى الدنيا وجهه ، لن يرى فى الآخرة وجه خالقه .. وجنة الدنيا هى أن يرى المرء وجهه الحقيقى الذى خلقه الله عليه ، فإذا صار إلى الآخرة استمتع بلذة رؤية وجه ربه الكريم ، الذى خلقه فسواه فعدله ، فى أى صورة ما شاء ركَّبه ..
.
7. كيف أفوز فى اللعبة وأحيا حياة طيبة ؟ ..
.
صديقى ، أنت تحيا داخل مرآة .. ولا يوجد فى المرآة شىء حقيقى .. إنما يوجد صور .. والصورة انعكاس الأصل .. فإذا أردتَ أن تكون صورتك حسنة عندما تنظر فى المرآة ، فكن أنت مصدر هذا الحُسن .. اجعل عملك على أحسن ما يكون .. (مَن عمل صالحًا من ذكرٍ او أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) ~النحل : 97 .. العمل وقوده الإيمان ، لأنَّ ما لا تعرفه يعتبر غيب بالنسبة إليك .. فإذا كنت لا تعرف نفسك ، ولن تعرفها ، وجب عليك أن تؤمن بنفسك .. هذا هو الإيمان بالغيب .. إيمانك بنفسك هو ما يزيد وجهك فى الدنيا حُسنًا .. فإذا رأيت نفسك ، واشتقت إلى رؤية ربك ، وأنت فى غيب ، فآمن به ، حتى تكون من الشاهدين .. (ربنا آمنَّا بما أنزلت واتَّبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) ~آل عمران : 53 .. الحمد لله .. أشهدُ أن لا إله إلا الله وأشهدُ انَّ محمدًا رسول الله ..
 
خالص مودتى وتحياتى ..
.
اقرأ أيضاً: فلسفة الحياة
.
هل ساعدك هذا المقال؟ .. شاركه الآن!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقك !