الرئيسية » خواطر » اقوال اوشو » ما هو الدين الحقيقي في العالم

ما هو الدين الحقيقي في العالم

بواسطة عبدالرحمن مجدي
2000 المشاهدات
كلمات عن الحياة - جلال الدين الرومي
في يوم من الأيام توفّي عدوّ من ألدّ أعداء فولتير، فأسرع أحدهم لإخباره بالنبأ السعيد قائلاً: لقد مات عدوّك اللدود. فجأة حلّت الصدمة ورحلت النقمة وأجاب فولتير: سأشتاق إليه كثيراً وبدأ بالبكاء وهو يقول: كان رجلاً عظيماً. كان ذكاؤه حاداً، حياته جميلة وخسارته لا تُعوَّض. لم يصدّق ناقل الخبر نفسه حين سمع الجواب.
 
وهذا هو الحال مع الأصحاب والأحباب، عداوات وخلافات بين الأصحاب والأهل والأحباب، شتائم وسباب وحين يرحل أحدهم عن الدنيا تدمع العين ويتحسّر القلب ويصبح الراحل عظيماً رائعاً وتبدأ مآثره بالإعلان عن نفسها، نندم ونشعر بالحسرة لأننا شتمناه أو خاصمناه. فقط حين يرحل الناس نكرّمهم ونحترمهم ونبجّلهم وبالأوسمة نُقلّدهم. لكن أحياء… أحياء لا قيمة لهم ولا لعملهم أو لإبداعهم… أحياء نحن لا نراهم… أحياء نرجمهم وأموات نمدحهم.
 
توفي رجل بائس في يوم من الأيام فذهبت زوجته إلى الكاهن وسألته كم يحتاج من المال ليقول في زوجها عذب الكلام، ليتغنّى بمآثره وبما قام به من أعمال. أجابها بأن لا حصر ولا عدّ لما لديه من أقوال وكما أن لكلّ مقام مقال فلكلّ مقال سعر محدد من المال. طلب منها 200 دولار. أجابته المرأة بأن المبلغ كبير وأن تدبيره سيكون أمراً عسيراً فهل من مقال يحتاج مبلغاً أقل من هذا بكثير؟ أجابها بمقال صغير سعره مئة دولار لكن مع هذا المقال لن يكون المدح والثناء على زوجها بالأمر المثير. فطلبت منه مبلغاً أقل فأجابها بمقال سعره 10 دولارات ونبّهها إلى أن الثناء والمديح لن يجدا مكانهما في المقال، سيكتفي بقول الحقيقة دون تزيين وإبداع من وحي الخيال.
 
حين يموت الإنسان نبدأ بسَرْد الأكاذيب الجميلة والمآثر العليلة حتى يبدو الأمر وكأن الجميع إلى الجنة وراحة النفس ذاهبون. الجميع بِمَن فيهم رجل السّياسة….
 
لا بُدّ أننا نهتم بالموت على حساب الحياة، نحن أمة تخشى الموت وتخافه، تخشاه وتفكر فيه لدرجة العبادة حتى أصبح الموت رمزاً للدين والشهادة.
 
الدين الحقيقي لا يقوم على عادات وتقاليد وأعراف نتوارثها جيلا بعد جيل. العادات عبق من زمن ماض رحل ولم تبقَ منه سوى الذكرى… العادات غبار أيام عابرة، ماتت ورحلت ولن تعود، أما الدين فحيّ يتنفّس ومتى أصبح وراثة لعقائد وأعراف الأجيال السابقة أصبح في خدمة الشيطان أكثر منه في خدمة الله، في خدمة الموت أكثر منه في خدمة الحياة، في خدمة الأديان المنظمة والسياسيين ورجال الدين لا روح الإنسان. حينها يُسدِل الدين ستاره ويحجب نفسه ويُغلِق نوافذه فلا يرى لنفسه مستقبلاً، فالأعراف والتقاليد تنظر إلى الخلف لترى ما خلّفته الأجيال السابقة وما تركته من أعمال وأطلال أما الحياة فتسير إلى الأمام.
 
الدين الحقيقي لم يهجر النفوس ليتخّذ النصوص مسكناً له. كل حرف في النصوص الدينية وكل كلمة فيها قد خفق قلبها بنبض الدين في يوم من الأيام، بروح كل صادق أمين تحدّث بهذه الكلمة ونطق. النبي والمستنير يُحيي الكلمة ويرويها معنى وحكمة وعبرة فيفوح عبيرها ويستنشقه كل قلب باحث عن الحقيقة. لكن المعنى الحقيقي والحكمة والعبرة، جميعها ترحل برحيل السيّد المستنير الذي خرجت هذه الكلمات من روحه لا من لسانه، من تجربته لا من فكره وتبقى الكلمة حروف لا حياة فيها.
 
بإمكانك تحليلها وشرحها وتفسيرها بآلاف الشروح والتفاسير، بإمكانك إلباسها المعاني التي تستمدّها من مخيلتك وأفكارك وثقافتك ودراستك لكن المعنى الحقيقي رحل. من هنا مرّ السيّد المستنير مُخلِّفاً أثره خلفه وأنت لا تزال تُلاحِق هذا الأثر وتعبده على شكل نصوص.
 
حين مشى المسيح وخاطب تلاميذه كان كلامه ينبض بالحقيقة حيّة خالصة، كلمته لها قلب يخفق وفيها نسيم ينعش القلوب، كلمته تحوي حكمته وتجربته. حين رحل المسيح غادرت الحياة الكلمات والآن… الآن بإمكاننا أن نجمع كلامه ونصنع منه نصوصاً لكن المعنى لا تحويه سوى النفوس.
 
الدين الحقيقي لا يوجد في النصوص والباحث عن التدين لا يبحث عن شروح وتفاسير النصوص بل يبحث عن ما يُحيي بالتجربة النفوس، يبحث عن سيّد حيّ مستنير. وحين تلقى السيّد المستنير سيفوح من جديد ذاك العبير، عبير النصوص والكلمات… ستتفتح أزهارها في قلبك ويُطرب لحنها سَمَعَك بعد أن تعود لها الحياة. المُعلّم المستنير اختبر ما اختبره صاحب الكلمات وها هو ينفخ فيها الحياة من جديد وهي حيّة في قلبه أحيَتها روح تجربته وها هو يُحييها الآن في قلبك بعدما كنت تحملها كلمة خالية من أي حياة، كلمة أثقلَتها معاني المفسرين والمثقفين فازدادت حيرتك وعلَت في قلبك الآهات.
 
الدين الحقيقي لا يوجد في الطقوس. الطقوس حركات وشكليّات إن لم تكن تستمدّها من سيّد ومعلّم مستنير يُعلّمك معناها ويرشدك إلى حكمتها وأسرارها ومغزاها. مع المعلّم يولَد الطقس نتيجة المحبة والتواصل والعِلم والتعلّم، طقس له سياق ومعنى في حياتك ومسيرتك ورحلتك الداخلية لتسمع اللحن الإلهي. طقس حيّ لم تُعلّمك إياه عادات من سبَقَك من الأجيال، طقس عِشت أسراره وعلومه والآن ها أنت تتعلّمه…
 
حين تلتقي المعلّم الحيّ، حين تشعر بحضرته ويُشعِرك بحضرة الله فيك وفي كل مكان ستشعر برغبة في الخشوع، في الإستسلام والتسليم والسلام… هذا الخشوع هو الخشوع الحقيقي… أنت لا تخشع لأن أحدهم طلب منك الخشوع وكيف للخشوع أن يكون واجباً؟ الروح تشعر برغبة في الخشوع، في التقوى والزهد بعد أن تذوق سلاماً وترى جمالاً ليس كمثله شيء وغير هذا الخشوع لا خشوع بل طقوس وشعائر بلا روح وبلا خشوع. خشوع الروح هو خشوع حيّ ينبض بالمعاني وليس مجرد حركات وأواني، خشوع وُلِد من رحم المحبة لا من سجن الواجب. واحذر، فمتى سلكْتَ دروب الواجب نسيت كيف تسلك دروب المحبة فالواجب عكس المحبة، الواجب بديل وهمي للمحبة.
 
الدين ليس في الطقوس والشعائر ولكن متى وُجِد الدين وُجِدت الطقوس والشعائر النابعة من المحبة الصادقة والإحساس العفوي، من أسرار عشتها وشربتها وها أنت الآن تحياها وتُجسّدها. وكيف لك أن لا ترافق النبي والمسيح حين يدعوك للصلاة معه؟ كيف لنفسِك أن لا تخشع وتصلي وتتصّل بأصلها في هذه الحضرة؟ كيف لك أن لا تراقبه وهو يتحرك ويمشي ويتحدث؟ أن لا تستنشق عطره؟
 
أمامك واحد من خيارين: إما المحبة أو الرجمة، إما أن ترجم النبي والمستنير أو أن تحبّه فلا يمكنك تجاهله وكلاهما شعائر وطقوس. الرّجم هو طقس العدوّ واتّباع النبي والمستنير هو طقس المُحِبّ. ومن أنت؟ المُحبّ والصديق أم العدو الذي يشعر بالضيق؟ إذا كنت مُحباً فالمحبة طقسك وحياتك وصلاتك وإن كنت عدواً فالعداوة طقسك وحياتك وصلاتك…
 
أنت تسمع رجل الدين يتحدث ويتكلم، لكن كلامه لا يوازي ما قاله الرسول محمّد أو المسيح، فالرسول والمسيح يحدّثانك بما اختبراه وعاشاه… يحدثانك والمسؤولية تُلاحق حديثهما كظلّهما…
 
رجل الدين لا يتحمل مسؤولية الكلام الذي ينطق به، هو يتحدث على مسؤولية الرسول والمسيح فهو لم يختبر شيئا. السيّد المستنير يتحدث على مسؤوليته، سلطته تنبع من تجربته لا من تجربة غيره.
 
وبَعد… فالدين لا صفة له ولا لقَب. ليس بالإمكان أن يكون الدين سنيّاً أو شيعياً أو مارونياً أو كاثوليكياً أو يهودياً أو بوذياً أو أو أو…. كما الحب تماماً… هل تنعت الحب بالكاثوليكي أو بالسنّي أو الشيعي؟ الحب هو الحب فلِماذا لا يكون الدين هو الدين دون ألقاب وصِفات؟ ألَم يقُل المسيح الله هو المحبة؟
 
الدين كالمحبة في صفائه، كمياه الينابيع في نقائه. الدين لا يعرف صفات ولا مدلولات ولا تعريفات، ودروب الأديان جميعها مفتوحة أمام الإنسان ليمشي ويختبر ويختار فلا أحد يختار دون اختبار، لا أحد يولَد في الدين بل على الدين أن يولَد فيك… يولد فيك بعد رحلة حج طويلة على درب الحق تبحث وتبحث وتفشل وتنجح وتقع وتقِف ثم تتابع المسير…
 
الدين هو فطرة الوجود ينهال مع الندى في كل فجر ويتفتح مع بتلات الأزهار ويُشرق مع شروق الشمس وزقزقة الطيور على الأشجار كل صباح… الدين فطرة الوجود ينشُر عبقه مع كل مغيب ولون أرجواني في الأفق مَهيب…
 
الدين رحلة نمشيها فُراداً، نبحث في وسط العتمة عن النور وعن إنسان صادق وأمين ونطلب العلم الإلهي من سيّد مستنير…
 
الدين ليس مهمّة جماعية إجتماعية فلا علاقة للدين بالمجتمع أو بالعقل الجماعي. الدين علاقة حميمة بينك وبين الوجود كالحب تماماً حين تفتح قلبك وروحك للحبيب وتتوحّد معه وتصبح له ويصبح لك أقرب من أيّ قريب…
 
هكذا الدين حب متبادل، وحدك تشعر بهذا الحب، وحدك ترقص على أنغامه وتحيا بركة أيامه لا المجتمع. الدين عفوي لا يُعَلّم، وهل تتعلم الحب؟ نحن نحيا الحب لا نتعلّمه. والدين تحياه لا تتعلّمه. بائسٌ هو اليوم الذي ستلجأ فيه البشرية إلى معلمين يعلمّونها كيف تُحِبّ وهذا اليوم ليس ببعيد. في الغرب وفي أميركا بالتحديد عديد من الكتب تحت عناوين (كيف تُحِب، وكيف تكسب الأصدقاء)… كتُب غبية فمتى فقد الإنسان قدرته على الحب فلن يجد ما يتعلّمه عن الحب في أيّ كتاب.
 
الدين ثورة… ثورة على الوهم الخارجي. على زيف المجتمع والسياسة والحضارات والثقافات… ثورة تهمس لنا بأن نستفتي قلوبنا ونستمع إلى نداء ذلك الصوت الخافت البعيد الآتي من أعماقنا ونتبعه دون أن نسأل أين سنصل وماذا سنجني… نتبعه دون سؤال عن العواقب وخوف من الطريق، فهذا الصوت صديق… هو الصديق الصادق الوحيد.
 
الدين رحلة نمشيها بهُدى وهداية من هذا الصوت، فهو دليلنا وحارسنا ومرشدنا ومعلّمنا وهو حقيقتنا ومصيرنا وقدرنا… أنت تخاطر بكل شيء لأجل رحلة التدين ومتى خاف الإنسان على منصبه ومركزه وأبى أن يمشي رحلته على هُدى همس صوته فالتدين لن يطرق بابه، طوال حياته…
 
.
.
هل ساعدك هذا المقال؟ .. شاركه الآن!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقك !