الرئيسية » الحب » رسالة حب لحبيبتي » كم اعشقك يا اميرتي

كم اعشقك يا اميرتي

بواسطة عبدالرحمن مجدي
7207 المشاهدات
كم اعشقك يا اميرتي
يبدو لي أن هنالك خللا ما في حواسِّك الخمس.. في إحساسِك بالأشياء.. وقدرتكِ على ملاحظة التغيّرات التي تحدث في محيطك.. وحيث تكونين..
 
بالأمس مثلا.. عندما جلست إلى طاولة المطعم، لم تلاحظي كيف أصبحت حوافّ الطاولة الحادّة أكثر انحناء ولطفا.. وكيف تعتّق لون الخشب.. وازداد لمعان الملاعق والسّكاكين وكأنّها قد صقلت للتوّ.. ولمّ تعلّقي بكلمة واحدة حول كيف امتلأت الجدران الخارجية لكأس الماء بالندى حين لمسته، ولا كيف ازدادت أوراق الخسّ يناعة وخضرة.. ولا كيف أصبح اللحم أكثر نضجا والخبز أكثر هشاشة وسخونة، وكيف انتشرت على سطحه فجأة طبقة الزبدة الذهبية اللامعة، تلك التي تسيل اللعاب..
 
وظننت للحظة أنّك قد تكونين معذورة في عدم ملاحظة هذه التغيّرات التي جلبها وجودِك، فالإنسان أثناء تناول الطعّام لا يعير اهتماما كبيرا لما حوله.. كما أنّ الحديث كان شيّقاً وممتعاً وتخلّله الكثير من الضحكات القويّة الطويلة، تلك التي تجبر المرء على الرجوع في كرسيه وإغلاق عينيه..
 
لكننا عندما خرجنا إلى الشارع.. توقّعت أن تدلي بتعليق ما.. حول كيف أنّ الشمس قد اختبأت بسرعة خلف الغيوم.. وكيف أنّ الهواء قد وازن سرعته ودرجة حرارته ليصبح مثالياً ورائعا.. وكيف هدأت أصوات السيارات ونداءات الباعة المتجولّين ومواء القطط دفعة واحدة.. وكيف أصبحت المدينة أقلّ وحشية.. والشوارع أكثر دفئا.. وكيف ازداد تركيز الألوان فيها كلّها.. وعبقت روحٌ حميميّة وتاريخية في المكان كلّه..
 
لم تفسّري لي، كيف بدأ الناس في المكان الذي تمشين فيه، يشعرون أنّهم أقل اغترابا وأكثر قربا من بعضهم البعض.. وكيف اكتشفوا أنّهم قد شغلوا أنفسهم طويلا فيما لا طائل منه، وأنّ الحياة فعلا لم تكن تستحقّ كل ذلك العناء والتفكير والعداوات.. وكيف بدأوا فعلا بالتصالح مع الآخرين ومع أنفسهم.. وتسامحوا أكثر مع أوزانهم الزائدة وأوضاعهم المادّية وأخطائهم التي لم يعد بإمكانهم تصحيحها.. وآمنوا أكثر وأكثر بالرزق والنصيب والقضاء والقدر..
 
لم تلحظي أبدا، كيف أنّه حيثما مررت كانت تخفّ حدّة نوبات التوتّر .. وجنون لحظات الصداع.. وصار الندم أقلّ ألما.. والخسارات أقلّ حرقة.. وصار ممكنا للمرء أن يرضى بنصف حلمه.. أو ربعه حتّى.. ويكون قانعا وسعيدا.. ولم يلفت انتباهك كيف تحسّنت صحة الناس وازدادت ساعات نومهم وشفيت ظهورهم الموجوعة .. وكيف أصبحوا أقلّ نزقا وهموما.. ولَم تعد الأزمات الوجودية حول إذا ما كانوا قد فشلوا أو نجحوا في الحياة تداهمهم مجددا..
 
على أنّه، ولئن وجدت لك العذر هنا أيضا، حيث لا يمكن للإنسان أن يسبر أغوار البيوت والبشر، ويدرك بدقّة كل ما يحدث في المدينة حوله من تغييرات.. إِلَّا أنّ الشيء الذي لم يمكنني أبدا فهمه أو استيعابه.. هو كيف أنّه وخلال الساعتين التي قضيناهما معاً، لم تظهري أبدا أنّك قد شممت أبدا شِياط ضلوعي المحترقة.. ولَم تُبدي أي إشارة تذكر، أنّك قد انزعجت ولو قليلا، من قرع الطبول التي كانت تدقُّ في صدري بلا توقّف..
 
.
اقرأ أيضاً: كم اعشقك حبيبتي
.
هل ساعدك هذا المقال؟ .. شاركه الآن!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقك !