الرئيسية » قوانين حياة من القرآن » قصة سيدنا يوسف مختصرة مكتوبة

قصة سيدنا يوسف مختصرة مكتوبة

بواسطة عبدالرحمن مجدي
3865 المشاهدات
قصة سيدنا يوسف مختصرة مكتوبة
(وعى الزمرد) ..
 
جلستُ مع صديقى (ناجاماى) على شاطىء نهرٍ واسعٍ ، أتأمل انسياب مياهه الصافية فى عذوبة وسلاسة ، وأرى انعكاس آشعة الشمس الذهبية المتلألئة على ثناياه ، تشبَّعت نفسى بجمال المشهد ، فى هدوء وسكينة لم أشعر بهما من قبل .. ساد الصمتُ طويلًا .. طويلًا .. حتى خطر فى ذهنى فجأة خاطر ، فسألتُ (ناجاماى) فى بساطة : حدثنى أكثر عن (يوسف) عليه الصلاة والسلام .. قال بصوتٍ متهدِّجٍ عذب : لقد كانت البداية مع جدِّه الأول (إبراهيم) عليه الصلاة والسلام .. فيوسف ابن يعقوب ابن إسحاق ابن إبراهيم عليهم جميعًا الصلاة والسلام ، كما وصفه الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه : “الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم.” .. وما حدث مع (يوسف) ما هو إلا امتداد للعداوة التى أقامها الخصم على (إبراهيم) وذريته من بعده .. (الخصم) Adversary هو الإسم الذى سيطلقه (الإنجيل) فى ما بعد على الشيطان ..

المحتويات

1- ابعاد البشر عن شكر ربهم

1. إنَّ إبعاد البشر عن شكر ربهم ، هو الهدف الاستراتيجى الأول للخصم ، الذى أعلنه بصراحة منذ خلق (آدم) عليه السلام قائلًا : (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ، ولا تجد أكثرهم شاكرين) ~الأعراف : 17 ، وهو الهدف الذى سعى جاهدًا لأن يحققه فى شخص (إبراهيم) ونسله ، بعد أن أدرك تمامًا أنَّ القوة الغاشمة ليس لها تأثير فى إبعاد (إبراهيم) عن شكر ربه .. إنَّ مشهد خروج (إبراهيم) سالمًا معافىً ، بكل هدوء من النار التى ألقى فيها ، وظلت مشتعلة عليه ثلاثة أيامٍ كاملة ، بحيث أنَّ طيور السماء نفسها كانت تتساقط على الأرض ميتة من شدة لهيبها ، لن يُمح بسهولة من ذاكرته أو ذاكرة كل من شاهده ..
 
مِن هنا أتت الفكرة الإبداعية فى تحطيم قلب إبراهيم .. إنَّ إيذاء القلوب وكسرها يبعدها عن شكر ربها .. هكذا فكَّر الخصم ، وهكذا قدَّر .. ولكن حتى تلك الفكرة لم تلق نجاحًا فى (إبراهيم) ، بعد أن رآه الخصم يعمد إلى ذبح ابنه (إسماعيل) بنفسه ، طاعة لرؤيا ربانية رآها فى منامه .. ابنه أقرب الناس إلى قلبه يضحى به شكرًا لله .. إنَّ هذا الفعل قد وأد كل استراتيجيات الخصم فى مهدها ، قبل حتى أن تولد .. ولكنَّ الملعون محروم من المدد الربانى ، لذلك يكرر استراتيجياته دائمًا ، لأنه لا يملك غيرها ..

2- استخدام القوة الغاشمة

2. كرر الخصم استخدام القوة الغاشمة مرة أخرى ، ولكن هذه المرة أراد أن يختبرها بنفسه شخصيًّا مع (يعقوب) ، فتمثل فى صورة رجل متين البنيان ، مفتول العضلات ، ودعا (يعقوب) إلى المصارعة ، فصرعه (يعقوب) .. غلبه ثلاث مراتٍ متتالية ، رغم أن الخصم كان يضاعف من قوته أكثر فى كل مرة ، مما يدل على أنَّ (يعقوب) أشد بأسًا من الخصم بمراحل ، فيغلبه فى أى اشتباك مباشر مبنى على القوة المفرطة ، مما يكفل له النصر دائمًا فى أى صراع مادى .. صراع مادى بكل ما فى الكلمة من معنى .. فعلى سبيل المثال : لقد كان (يعقوب) ثريًّا ، ولم ينجح الخصم فى إفقاره ، تمامًا كما كان جده (إبراهيم) الذى بلغ حدًّا من الثراء صارت معه البلدة التى عاش فيها ، عند ولادة (إسحاق) ، صغيرة جدًا بالنسبة لعدد الماشية والأنعام التى كان يمتلكها .. لم يبق إذًا إلا كسر قلب (يعقوب) لهزيمته .. وبهذا صار الهدف التالى هو ثمرة فؤاد (يعقوب) : (يوسف) ..

3- قصة سيدنا يوسف ملخص

3. عندما قصَّ (يوسف) رؤياه على أبيه ، علم الأب أنَّ ابنه هذا سيكون على رأس قائمة المستهدفين من آل يعقوب .. إنه صبى مميز صورةً ومعنىً ، ذو شفافية عالية ، فضلًا عن النور الذى اختصه الله سبحانه به منذ صغره ، ودليلها تلك الرؤيا التى تعنى علو شأنه على مستوى عالمى ، وليس محليًّا فقط .. هنا أخبر (يعقوب) ابنه بعدوهما المشترك ، وبالعداوة التى استمرت أجيالًا طويلة .. وكاشف الأب ابنه بسره وسر أجداده : (إسحاق) و (إبراهيم) ، الذى به انتصرا فى ذلك الصراع .. إنه سر (آل يعقوب) ، و سر (إبراهيم) من قبل : القلب السليم ! ..

4- صراع القلوب أقوى

4. صراع القلوب أشد وطأة من صراع المادة .. ولكى يحافظ (يوسف) على قلبه ، ينبغى أن يتركه وديعة عند ربه ، إلى أن ينصره الله على خصمه ، فيسترد حينئذ وديعته .. هكذا اتفق الأب مع ابنه : أن يستودع الابن قلبه وعقله عند ربه ، فلا يستطيع مخلوق أن يؤثر عليهما قط .. لا يتأثران إلا بنور الرب فقط .. وهكذا ، صار القلب وديعة عند الرب ، وجعل (يعقوب) قميص (يوسف) مكان قلبه .. فكلما أراد الخصم أن يؤذى قلب (يوسف) ، يقع الضرر على قميصه .. هكذا تلطخ قميص (يوسف) بالدم ، بدلًا من أن يُقتل .. وهكذا مزقت امرأة العزيز قميصه ، ولم تستطع أن تنال قلبه .. فلما رأى الخصم تلك الآية ، عمد إلى سجن (يوسف) ، لعل يكون تعذيب الجسد بحرمانه من الحركة ، سبيلًا إلى إيذاء القلب ، ومنعه من الشكر .. إنَّ هذا السر يكشف الكثير من الغوامض ..

5- كيف تحمل يوسف كل ما حدث له ؟

5. كيف يمكن لطفل أن يتحمَّل أذى أقرب الناس إليه ، فيتركهم يلقونه فى غيابات الجب دون أن ينفعل !؟ .. كيف يمكن لشاب فى فورة شبابه ، أن يمتنع عن امرأة ذات منصبٍ وجمالٍ ، وهو فى بيتها !؟ .. كيف يمكن لشاب أن يتحمَّل تقييد حريته بالسجن سنوات بدلًا من رحلات الصيد والتنعم بالخيرات والرفاهية ومواصلة الدراسة !؟ .. كيف يمكن لشاب أن يعيش بغير مال !؟ .. أن يتحمل الحرمان من رعاية الأب وحنان الأم !؟ .. لا صديق ، ولا أنيس .. وحيد ، لا أحد يعرفه .. كيف يمكن أن يصمد (يوسف) وحده أمام كل تلك الظروف التى صنعها خصمه حوله بإحكام ، وأن يتألق منفردًا طوال الوقت بتلك الطريقة المدهشة !؟ ..

6- الحزن يؤثر في القلب وليس العين

6. إن الحزن يؤثر على القلب وليس العين .. لقد ابيضت عينا (يعقوب) من الحزن ، ولم يتأثر قلبه .. وهذه حالة طبية نادرة تستحق الدراسة بالفعل .. عندما كادت أم (موسى) أن تحزن على فراق رضيعها ، ربط الله على قلبها كى لا تحزن ، وليس على عينها .. فأين كان قلب (يعقوب) !؟ .. عندما طلب أبناءه أن يستغفر لهم : (قال سوف أستغفر لكم ربى) ~يوسف : 98 .. لأنه يريد أن يستغفر لهم من قلبه ، وليس بلسانه .. فأين كان قلبه !؟ .. وكذلك ، حين طلب أخوة (يوسف) منه أن يستغفر لهم : (قال لا تثريب عليكم اليوم ، يغفر الله لكم) ~يوسف : 92 .. إنه يريد أن يستغفر لهم من قلبه ، ولكن قلبه لا يزال وديعة عند ربه ، فأجابهم بميسورٍ من القول .. لماذا لم يدعُ (يوسف) لنفسه وقت الشدائد !؟ .. لماذا لم يدعُ إلا بعد أن انتصر على خصمه !؟ .. لأنَّ هذه الدعوة الأخيرة خرجت من قلبه بالفعل ، وليس من لسانه .. وهو لا يريد أن يخرج الدعاء من لسانه فقط ..

7- ما هي ملة ابراهيم عليه السلام ؟

7. هذا السر : أن تضع قلبك عند ربك وديعة ، هو ملة (إبراهيم) التى ذكرها (يوسف) لصاحبيه فى السجن ، وأخبرهم بأنه يتبعها .. وهو العلم الذى خفى عن إخوة (يوسف) ، حيث قال لهم أبوهم : (إنى أعلم من الله ما لا تعلمون) ~يوسف : 96 .. لقد كان (إبراهيم) وحده أمة ، وكذلك كان (يوسف) : جامعًا لخصال الخير ، وشاكرًا لنعم الله .. وكان محافظًا على سلامة بقلبه بإيداعه عند ربه ، فنصره الله على عدوه ..
 
8. تؤكد العلوم الطاقية الباطنية أنَّ الأمة العربية متصلة بالخط الباطنى الأخضر ، وهو الخط الباطنى المتصل بنبى الله (إبراهيم) عليه الصلاة والسلام .. وهذا يعنى طاقيًا أنَّ هذه الأمة قابلة لأن تتعرض إلى ما تعرض له (إبراهيم) ، وأن تكتسب من خصائصه الشريفة .. إنها أمة قوية ماديًّا و روحيًّا .. أمة غنية وثرية .. لهذا يعمد الخصم إلى تحطيم قلوب أفرادها .. فتجد فيها انتشار حالات الطلاق ، وتفكك الأسرة ، وانتحار الشباب ، والإدمان ، وتأخر الزواج ، وفتنة المال .. والخلاص من هذا كله هو أن تصبح القلوب وديعة عند خالقها ، حتى يستمر شكر الله على نعمه ، فينهزم الخصم .. بعبارة أخرى : اتباع ملة (إبراهيم) ، تمامًا كما فعل (يوسف) ..
~ناجاماى
.
هل ساعدك هذا المقال؟ .. شاركه الآن!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقك !