” مع أولادنا الثلاثة كنا دائمًا نتطلع لننجب ابنة، وكثيرًا ما قلتها لزوجتي ” سأكون محظوظًا لو أنجبتِ بنت “. أعملُ جارًا لعربةٍ منذ أكثر من ثلاثين عامًا، وأغلب ممن يركبون عربتي أصحاب مزاج سيء، دائمًا ما كانوا يوبخونني، في صباح يوم استأجرني أب لأخذ ابنته إلى الجامعة، طلب مني أن أكون حذرًا على الطريق، ونصح ابنته أن تتماسك جيدًا. وقبل أن نغادر طلب مني أن أسير ببطء حتى لا تتأذى ابنته، وفي طريقنا بعد مرور وقتٍ سمعتها تبكي بُحرقة، حاولتُ أن أنظر للخلف لأسالها إذا كانت بخير، فنظرتْ لي بوجهٍ غاضبٍ وحذرتني من النظر إلى الوراء، وبعد وقتٍ طلبتْ مني التوقف وبدأتْ تتصل بشخصٍ ما عبر هاتفها، كانت تصرخ وتبكي في نفس الوقت، فهمتُ أنه من المفترض أن تهربَ مع صبي من المنزل لكنه لم يأت، فجأة قفزتْ من العربة تاركةً مالًا على المقعد، راحتْ تجري إلى خط القطار.
كنتُ على وشك أن أغادر، شعرتُ بالأسى على الأب واعتقدتُ للحظة أنه كان من الجيد أن لا يكون لديه ابنة، لم يكن بمقدوري التبديل بالدراجة أكثر من ذلك، تذكرتُ والدها وهو يقول لي ” كن حذرًا معها وعاملها بلُطف واهتم بها “. أوقفتُ العربة وجريتُ خلف الفتاة وكانت تجري على خط القطار، تتحركُ مثل شخصٍ مريضٍ يسعى لإيذاء نفسه، صرتُ أجري بموازاتها، طلبتُ منها أن تعود معي، لكنها صرختْ في وجهي ونادتني ” بالغبي وغير المتعلم “. وبين الصراخ والبكاء كنتُ خائفًا أن أتركها في هذا المكان الخطر وفي هذا الوقت. تركتها تبكي كما تريد، بكتْ لثلاث ساعات حتى كاد الجو يُمطر، وقبل أن يبدأ المطر توقفتْ وطلبتْ مني أن أُحضر العربة، لم نتحدث أبدًا، كان الجو يُمطر وأنا أُسرع، أنزلتها قرب بيتها، وقبل ان أغادر أوقفتني قائلةً ” عماه، لا تأتي إلى هذا المكان مرة أخرى، ولا تخبر أحدًا أنك تعرفني .
طأطأتُ رأسي وعدتُ إلى المنزل، في ذلك اليوم لم أتحدث إلى أي أحدٍ، ولم آكل أي شيء، قلتُ لنفسي أنه من الأفضل أنني لم أُرزق بفتاة، وبعد ثماني سنوات أي قبل وقت قصير مررتُ بحادثة، فقدتُ معها وعيي، أخذني الناسُ إلى المشفى، وعندما استعدتُ حواسي، رأيت تلك الفتاة، كانت قريبة مني، سألتني كيف أشعر، ولماذا لم اعد لمقابلتها، لم يكن سهلًا عليَّ أن أُميزّها وهي ترتدي ملابس العمل البيضاء ونظارتها مع سماعات طبية حول رقبتها.
تمت معالجتي بخير، ونقلوني إلى طبيبٍ أكبر في العمر، كنت استمع لها وهي تخبره ” سيدي، هذا أبي”. فرد عليها بشيء من الإنجليزية، ثم لمستْ جروح يدي المُصابة وردتْ عليه قائلةً ” سيدي، لو لم يساعدني هذا الأب في الماضي، لما كنت قادرةً على أن أكون طبيبةً الان”. كنتُ مستلقيًا على سرير ضيق مُغلقًا عينّي بإحكام، لم أكن قادرًا على أن أشرح لأحدٍ كيف أشعر. هذه العربة لها ابنة، ابنة طبيبة!”.
المصدر: سعيد كمال
.
اقرأ أيضاً: قصص جميلة جدا
اقرأ أيضاً: قصة واقعية مؤثرة جدا
اقرأ أيضأً: قصة حقيقية جميلة ومؤثرة
اقرأ أيضأً: قصص جميلة ومؤثرة
.
هل ساعدك هذا المقال ؟