الرئيسية » أعرف » عاهات وتقاليد » مرض الشخصية المثالية الزائدة

مرض الشخصية المثالية الزائدة

بواسطة عبدالرحمن مجدي
4266 المشاهدات
ليش العرب يزوجون البنت أو الولد وهو صغير ؟
مشكلة نفسية تحدث للبنات وتكبر معهم وتُسبب لهم تعاسة طول عمرهم: ضعف الثقة بالنفس Low Self Esteem ومن أعراضها Perfectionism المثالية المفرطة
 
هذه المشكلة متعلقة بشكل مباشر بـ نقاشنا عن شخصيات الثلاثي الأسود ؛ لأن كثير من الضحايا يعانون منها، سواء كانت السبب في دخولهم العلاقة وعدم قدرتهم على الإفلات منها، أو حدثت كنتيجة لتكنيك السيطرة والتدمير الذي استخدمه ضدهم المستغل فأفقدهم الثقة في أنفسهم.
 
* ما هو تعريف هذه المشكلة بالتحديد؟
 
ببساطة وباختصار:
إنك تربط قيمتك كإنسان بإنجازاتك. يعني تشعر أنه لا يوجد لك قيمة كبني آدم إذا لم تقم بفعل أمر مبهر ورهيب ومثالي دائماً. أنك دائماً تحتاج شخص يتقبلك حتى تتقبل نفسك، فتستمد تقديرك لنفسك من تقدير الناس لك. وأن ثقتك في نفسك تهتز أو تفقدها لو غلطت أو فشلت، أو وجه لك نقد أو تأنيب، وهذا يعتبر انتقاص من قيمتك وتشعر بالذنب والتقصير والفشل وقلة القيمة، وترضى بهذا الوصف وتتقبله عن نفسك، حيث يصبح جزء من هويتك الذاتية ورؤيتك لنفسك. وبالتالي تبالغ في التوقعات من نفسك، فتتخيل أنك لا يجوز أن تخطأ أو تفشل أو تضعف مثل باقي الناس، وأن كل شئ تفعله لابد أن يبقى مثالي وكامل ولا يحتويه ولو خطأ واحد، وإلا تكتئب وتفقد الثقة في نفسك. فتصبح تعيس طوال الوقت لعدم قدرتك على تحقيق هذه التوقعات الخرافية.
هذه مشاعر غير صحية ولا تؤدي لحياة ناجحة أو سعيدة بالعكس ؛ لأن الشخص المتوازن نفسياً رؤيته لذاته مختلفة تماماً:
 
يرى نفسه إنسان عادي ، ومتقبل مشاعره السلبية وأخطاء الحياة العادية ، والفشل بعض الوقت أيضاً، بل يعتبر الفشل جزء أساسي من النجاح! .. يحب النجاح ويجتهد ويسعى له، ولكن يعلم أنه لا يوجد أحد ينجح طوال الوقت، ولا أن يظل سعيد طوال الوقت، ولا لامع ومثالي طول الوقت. تقديره لنفسه وقدراته واقعي، لا مبالغ فيه ولا ناقص، ولا يُحب أن تتغير قيمته بتغير ظروف الحياة ولا تقييم الناس، حتى وهو في أسوأ حالاته. ولا يحتاج لأحد آخر “يتقبله” بإستمرار لكي يتقبل نفسه! ، وبالتالي توقعاته من نفسه، ومن الآخرين، ومن الحياة، ومن شريك حياته وأولاده، توقعات واقعية ممكنة التحقيق.
 
* ما هو تأثير هذه المشكلة على حياة الشخص ؟
 
هذا الشخص طوال الوقت يحاول يحقق توقعات مستحيلة، وبالتالي دائماً شاعر بالنقص والتقصير، وسيظل يري أنه (لا يستحق أكثر من هذا)! .. (عقاباً له على تقصيره، مثل ما كان يقال له وهو صغير للأسف) ، وأنه لا يستحق الحب إلا عندما يكون مثالي! ، وبالتالي هيتقبل مستوى منخفض جداً من الاحترام والحب من الآخرين ، بما فيهم الذي سيرتبط به. وعندما يكتشف مشاكل في شريك حياته، يفني نفسه يحاول “يصلحها” لكي تظل حياته مثالية مثل ما هو مفروض، لأن لا يصح أن يظهر كأنه (اضحك عليه) خدع ، أو اختار شخص غلط، أو حياته فيها مشاكل! .. لا يصح لفلانه تسقط أو تترك الشغل أو تطلق أو تشتكي أو تتخانق. لابد تظل حياتها وبيتها “ناجح” و “مثالي” لكي لا تتغير فكرة الناس عنها! ( عقدة الناس تقول علينا ايه!) ، فبسبب هذا الرعب المبالغ فيه من تقييم الناس، البنت أو المرأة “المثالية” ممكن توصل نفسها للمرض النفسي والعضوي حرفياً !
 
* ما هو سبب هذه المشكلة في النساء بالذات ؟
 
لو استبعدنا الأسباب المرضية (مرض نفسي أو اضطراب في الشخصية) فأحد أهم الأسباب هو التربية الصارمة. مفهوم أن البنات لا يوجد لهم قيمة لذاتهم، ولا يستحقوا الحب والاحترام لذاتهم، إلا لما ينجحوا ويتفوقوا على الباقيين باستمرار وبدون أي خطأ، في شكلهم ومظهرهم (سواء بالاحتشام أو بالاستعراض)، وفي أي حاجة يفعلونها، سواء الدراسة أو الرياضة أو الهوايات أو العمل والترقيات والدراسات العليا. وهذا بسبب رعب الرجال من “انحراف” البنات ، فيشغلونهم بالدراسة والرياضة والعمل والإنجاز عموماً ، حتى لا تجدوا وقت يفكروا فيه في احتياجاتهم النفسية والجسدية الطبيعية كإناث. وبسبب افتقاد الأمهات للإنجاز، وافتقاد أمثلة ناجحة وحديثة للتربية، فيقلدوا أمهاتهم ، ويحاولوا يثبتوا “مثاليتهم” المفترضة من خلال نموذج المرأة “الشملولة” التي لا تجد وقت للتنفس ؛ لأنها تركض ليل ونهار في سبيل ولادها وبيتها ، فلابد بنتها تصبح متفوقة ومثالية طبعاً .
 
فالبنات يحملوا هذه المسئولية الثقيلة من غير ذنب من يوم ما يتولدوا: أنهم لا يأتوا لأهلهم “العار” المفترض، وأيضاً يحققوا أحلام أهاليهم المستحيلة التي لم يستطيع أهاليهم تحقيقها ؛ لأنها توقعات غير واقعية من أهاليهم أيضاً.
 
فالبنات ينشأوا أعتادوا على الدفع للتفوق في الدراسة والعمل والرياضة، ويضغط عليهم ويتأنبوا، ويتعاقبوا بعنف، ويتمنع عنهم الحب والتشجيع، لو التميز والتفوق والمثالية أختلت لأي سبب. حيث يظلوا حاسين بالذنب والتقصير الدائم المستمر، وغير راضيين عن أنفسهم مهما حققوا، ودائماً يسعوا للحصول على الرضا، ومنتظرين قبول الناس حتى يقبلوا أنفسهم. فثقتهم في أنفسهم تتدمر، ويبدأوا يعيشوا من أجل إرضاء الآخرين، الذي يستمدون منه احترامهم لأنفسهم، وبدونه يشعرون أنهم بلا قيمة ، وبالتالي يظلوا عايشين تعساء بسبب عدم رضاهم عن أنفسهم مهما حققوا.
 
التربية أيضاً تقنع البنات من سن صغير إن قدراتهم ضعيفة وأقل من الولاد، وأن الولاد من حقهم يأخذوا أكثر منهم في كل شئ، ويتقبل منهم أخطاء وتجاوزات غير مقبولة من البنات، وإن من الأدب للبنات أنهم يتقبلوا الإهانة وهما ساكتين ، ولا يردوا على راجل يوجه لهم تأنيب أو إتهام حتى لو غلط. فبالتالي أمام أي رجل يمارس عليهم سلطة شبيهة بالسلطة الأبوية ويأنبهم ( زوج، مدير، بروفيسور )، بدلاً من أن يرفضوا ويدافعوا عن أنفسهم يحدث العكس: يشكوا في أنفسهم فوراً ، ويقبلوا بسرعة أنهم غلطانين، ويلوموا أنفسهم ويشعروا بالذنب، وممكن يعتذروا رغم أنهم ليسوا مخطئين! ، وهذه إحدي طرق السيطرة النفسية، وفي بعض الأحيان تدمر الضحية نفسياً تماماً .
 
– هذه المشاعر تؤدي لمشاكل نفسية وصحية كثيرة جداً:
 
شد عصبي مستمر طول الوقت. ورعب من الفشل وإنهيار تام لو حدث. وشعور بالدونية والنقص وقلة الأهمية يصبح جزء من هوية البنت ويكبر معها. وعدم قدرة على حل المشاكل. وإعتمادية على الشخص المسئ. وإدمان للعمل (سواء شغل البيت والأولاد أو الشغل في مكتب أو الدراسة والنجاح بتفوق). وإجهاد مزمن وعدم قدرة على الإسترخاء. وشعور عميق بالذنب لو مارست أي نشاط يشعرها بالترفيه والسعادة بإعتباره تضييع وقت يُلهيها عن “مسئولياتها”. وحساسية مفرطة لأي نقد أو توجيه. وإنعدام الشعور بالرضا. والحياة تصبح إما الحصول على كل شئ أو إكتئاب وعدم رضا عن أي شئ!
 
هذه التوقعات الأسطورية من النفس تنقل بحذافيرها للأبناء، بحيث يتوقع منهم فوق طاقتهم تماماً:
 
الأم التي تتخيل أن إنجازها الوحيد في الحياة هو “تفوق” أولادها (مثل ما اتزرع في عقلها من الصغر إن هذا هو غاية الحياة!) وأن هذا يمثل قيمتها كإنسانة، تعتبر أي خطأ منهم إهانة شخصية لها، وإنتقاص من قيمتها، وتقصير منهم في “شكرها” على إفناء نفسها من أجلهم! ، وبالتالي تكون عنيفة معاهم جداً، وتعاقب أكتر ما تكافئ، وتشعرهم بنفس عقدة الذنب والتقصير التي تربت هي نفسها عليها، فتدمر ثقتهم في أنفسهم! ، ونستمر في أن ننقل التدمير للأجيال! (هذه هي الأم التي نسمعها تقول “عندنا امتحانات” أو “عندنا تمرين” كإنها هي التي تمتحن وهي التي تذهب للتمرين، وليس الأطفال!)
 
بينما الأم التي لها شخصية مستقلة وحياة خاصة بها، وواثقة في نفسها، ولها إنجازاتها، ومتوازنة نفسياً، همها الأول هو تربية أبناء أصحاء نفسياً، وسعداء، ومقبلين على الحياة، وعندهم حياة متوازنة بين التعليم والعمل والعبادات والعلاقات الإجتماعية والرياضة والفنون والأنشطة والترفيه (هذه الأم التي تقول: الأولاد عندهم امتحان أو تمرين، ولا تجمع نفسها معهم، وتحملهم مسئوليات حياتهم ولا تتحملها عنهم)… بالتالي ليس من أولويتها الأولى في تربيتهم مجرد تفوق دراسي خارق تتباهى به أمام الناس كأم “مثالية” حققت ما فشلت الأمهات الآخريات في تحقيقه!
 
لست بحاجة أن أوضح كم يكون شكل خذخ الحياة مؤذي! ، ولكن للأسف فيه نساء وبنات كثيرون جداً في مجتمعنا هذه هي حياتهم اليومية… إلى أن يموتوا بأمراض مزمنة نتيجة الشد العصبي والكبت النفسي. منها أمراض السكر والضغط والقلب والمناعة!
 
لا تقبلي هذه الحياة. ممكن تتخلصي من المشكلة بالعلاج السلوكي لو لم تقدري على المقاومة لوحدك. وأرجوكي لا تربي أولادك وبناتك على الشعور المستمر بالذنب والتقصير! ، علميهم يستمتعوا بحياتهم، لا أن يكرهوا حياتهم حتى يرضوكي وتحققي فيهم أحلامك المستحيلة!
 
 
هل ساعدك هذا المقال؟ .. شاركه الآن!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقك !