الرئيسية » الذات » تطوير الذات » مقالات اجتماعية هادفة

مقالات اجتماعية هادفة

بواسطة عبدالرحمن مجدي
7000 المشاهدات
قصص قصيرة هادفة
“الذين يستمعون القول فيتبعون قائله”
 
نشاز .. أليس كذلك؟ مؤذية جدا الآية بهذه الطريقة.. تحمل كمّا من التوجيه الذليل الذي تأنف النفس أن تقبله.. توجيه لبشر باتباع بشر آخر.. كلام لا يليق بخالق تجاه عباده المؤمنين..
لنقرأها إذن مرة أخرى بصيغتها الحقيقية..
 
“الذين يستمعون القول فيتبعون .. أحسنه” ..
 
هذا هو السر.. لا يطلب منك الله أبدا أن تتبع شخصا بعينه.. يريد منك أن تكون مفكرا حرا!! صاحب عقل.. تسمع لهذا وهذا وهذا.. تحلل وتناقش وتفكر.. ثم تتبع أحسن القول.. تتبع الحكمة أينما كانت.. ولا تتبع قائلها.. مركزية مفرطة تجاه الفكرة.. ونفور شديد من مركزية الأشخاص ولو كانوا أنبياء.. “وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل.. أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم؟” بمعنى آخر.. هل لو مات محمد.. اختفت الأفكار من رؤوسكم.. أآمنتم بشخص أم بفكرة؟؟
 
أنت مفكر حر أيها المسلم.. هكذا أرادك الله.. وهكذا يحب أن يراك.. ليس في أمور دينك فحسب.. بل في كل أمر من أمور حياتك.. في الفيزياء والطب والهندسة والأدب وعلم الاجتماع والرياضة والسياسة وغيرها.. تسمع من الجميع.. بدون تشنج ولا أحكام مسبقة.. تحلل.. تفكر.. تدور الأفكار في رأسك.. وتختار منها ما تراه صوابا..
 
أولئك المعتزون بعقولهم.. الذين لا يعيرونها لأحد.. هم وحدهم المستحقون لهذه الآية المركزية.. وهم وحدهم من يستحق تتمتها العظيمة.. ” أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب”.. وأنعم به من وصف.. أنعم به من وصف..
 
** تعظيم مركزية الفكرة في مقابل إلغاء مركزية الأفراد هي لبّ التفوق الحضاري الذي يعيشه الغرب حاليا.. يعبدون الفكرة حرفيا.. يخالفك الشرطي لو كسرت القانون.. بدون أن يهتم من أنت.. سواء كنت رئيسا للوزراء أو عامل نظافة.. لا يهم.. لا ينظر إليك كشخص.. بل يطبق الفكرة بحذافيرها ولا يخونها.. وأنت لست سوى موضوع لذلك..
 
في بلادنا العكس تماما.. نحن نقدس الأشخاص حرفيا ونفصل القوانين أو تطبيق القوانين على مقاسهم.. فالشخص عندنا هو الأساس لا الفكرة.. يدخل ابن المسؤول الجامعة بغض النظر عن مجموع علاماته.. يتهرب من الضريبة.. من المحاكمة.. من أي شيء.. تتكسر على أعتاب بيته كل الأفكار.. وهذا بالضبط سر تأخرنا.. أن الأفكار لا تنجح.. لأن الأشخاص وبكل بساطة.. أقوى منها..
– – – – – – – – – – – – – – – – – –
يهيأ لي أن التصور الديني الذي ساد في الثمانينات والتسعينات حول العلاقة بين الرجل والمرأة، والذي انعكس عبر قصص وعظية تصوّر الرجل ذئبا والمرأة مجرّد حمل وديع قد ساهم بشكل كبير في تشويه نظرة جيلنا للمرأة..
 
عيب هذا التصوُّر ربما هو أن يوحي بشكل غير مباشر للمتلقي (المراهق على الأغلب) بأن المرأة (المثالية) لا يوجد لديها أي مشاعر ولا اهتمامات بالجنس الآخر ، ولا تحتاج ذلك.. وأنها لا تؤتى إلا بالحيلة والخداع..
 
هذا التصوُّر الطهراني الزائف يكذّبه طبعا واقع الحياة.. لكن خلال عملية التكذيب الحتمية هذه.. يبدأ الشاب الذي نشأ على هذه التصورات بالنظر باحتقار دفين لكل امرأة تُمارس حقها الطبيعي في أن يكون لديها مشاعر وأحاسيس تجاه رجل.. حتى لو كانت تلك المشاعر تجاه الشاب نفسه! فتراه يحبها ويحتقرها في الوقت نفسه.. لأنها لا تمثل بحسب رواسبه المرأة المثالية الطاهرة المتعالية على الحاجات والرغبات..
 
وباستخدام نفس مثال الذئب نجد أن هذه التصور برّأ الرجل من حيث أراد أن يدينه.. فحين تصف شخص ما بإنه ذئب.. فأنت وبشكل تلقائي تعفيه من مسؤولية “الافتراس”.. لأن الذئب بطبيعته مفترس.. وبالتالي فهو لا يفعل أي شيء خاطئ.. هو فقط يمارس طبيعته.. وما على “الحملان” إلا أن تحرس منه.. وهذا ما يفسر لوم الضحية لدينا في كل حوادث التحرش.. لأن المتحرش ذئب.. هذه هي طبيعته..
 
انعكاس آخر لمفهوم الذئب هذا.. هو تصوير العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة على أنها افتراس.. والافتراس بطبيعته قهر وتمكن.. من طرف قوي على طرف ضعيف.. لذلك نشأ جيلنا على فكرة كامنة في أعماقنا على أن الجنس هو قهر من فاعل لمفعول به.. أكثر من كونه علاقة صحية جسدية بين طرفين متكافئين.. ولهذا الأمر تداعيات, الله وحده يعلم بها..
 
في النهاية.. هذه هي التأثيرات التي أراها على الرجال.. ولربما هنالك تأثير أعمق على الفتيات اللواتي تعرضن لهكذا مفاهيم.. لكنني لا أدركها صراحة.. مع يقيني بأنها موجودة.. ولربما أقل أعراضها هي الانفصام والشعور الدائم بالذنب تجاه ممارسات طبيعية..
– – – – – – – – – – – – – – – – – –
أنت لا تفهم الأمر على حقيقته.. أنا لا يخيفني الفشل، ولا يزعجني ضياع المجهودات سدى.. ولا يعنيني في نهاية الأمر أن لا أحقق شيئا يذكر.. ما هكذا تقاس الأشياء.. هذه مخاوف الأطفال والحالمين.. أما أنا فقد اعتدت ذلك.. لكن ما يرعبني حقيقة، هو اختفاء الرغبة.. هل تعلم ماذا تعني الرغبة لرجل مثلي؟ هل تتخيل أن أستيقظ يوما ما فأجد تلك النار القلقة في صدري قد انطفأت؟ أو أن يختفي توهج عيني؟ أو أن أنظر إلى الناس والأشياء ببرود وكأنني ثور محنط؟
 
لا أعد نفسي شخصا عاديا.. ولا يهمني كثيرا أن يراني الناس كناجح أو فاشل.. إن معظم عالمي يدور داخل نفسي.. ومعاركي أخوضها داخل عقلي.. وإن كان الآخرون رضوا بأن تضيع حيواتهم في مقابل القليل من الحديد والخشب والقماش والذهب الأصفر فأنا لم أفعل ذلك.. وإن كانت خطتهم تقضي أن يعملوا كعبيد لأربعين عاما مقابل أن يمضوا شيخوختهم ممططين كفقمات فوق الأرائك فأنا لم أخلق لهذا.. ولم أسع يوما للحصول على ما يجب الحصول عليه.. بل ما أحب الحصول عليه..
 
نعم لقد مررت بالحزن.. لكن الحزن لم يكن أبدا كهفا أعتكف فيه.. بل جسرا أعبره إلى ما سواه.. وإن كنت قد رأيتني محطما وبائسا في لحظات ما, فلم يعن ذلك أبدا أن البحر الذي في داخلي قد هدأ واستكان.. أو أن الريح التي تعوي في داخلي قد صمتت.. إن الحزن ليس نقيضا للحياة بل هو جزء منها.. وهل بإمكاننا أن نفرح دون أن يكون عندنا استعداد للبكاء؟ هل يمكننا أن نسعد برؤية مولود جديد دون أن نكون قادرين على الحزن لوفاة عجوز؟ أو هل يفرحنا انتشار شذى الأزهار ولا يحزننا جفاف النهر؟
 
لقد عشت حياتي كلها ممتطيا حصان الرغبة.. موجها بصري لا نحو ما أملك , بل نحو ما لا أملك.. حاملا قلق الصياد الأبدي في قلبي وعيني.. مترقبا أن يحدث شيء أو أن لا يحدث شيء.. منصتا لكل صوت ولكل صمت.. ومحدقا في كل ما أرى.. ولا يحركني في كل ذلك إلا شبقي.. بالإنسان والأشياء.. لذلك إذا ما رأيتني يوما ما منطفئا كموقد مهجور.. أو هادئا ومستكينا كساعة حائط.. فلك حينئذ أن تدفنني.. إن انعدام الاشتهاء هو الموت..
– – – – – – – – – – – – – – – – – –
‫كما الآخرين.. تلفت الأجساد الجميلة انتباهي.. وقد أدير عيني هنا أو هناك للحصول على نظرة أخرى.. لكن هذا كل شيء.. هذا أقصى ما يمكن لجسد ممشوق أن يفعله بي.. فرجة عابرة سرعان ما تطوى في ثنايا الذاكرة كأن لم تكن.. ‬
 
‫أمّا ما يعنيني في المرأة ويجذبني إليها فعلا.. وما لا يمكن لي أن أقاومه.. فهو شيء غير ملموس.. ولا يمكن تقعيده أو تشييؤه.. أو وصفه بعدة كلمات.. هو شيء ما يتعلق بماهيّة تلك المرأة.. بذكائها.. خفة روحها.. الطريقة التي تتحدث بها.. الثقة التي تفيض من عينيها.. السحر الذي تنثره حولها حين تجلس أو تقوم أو تتحدث أو تبتسم.. الألق الذي ينير المكان حين تدخل وينسحب حين تنسحب.. هذا الحضور الطاغي هو الرمح الذي يخترق روحي من أقصاها إلى أقصاها.. وهو السمّ الذي لا شفاء منه.. وهو الذي يعيد تعريف الجمال الأنثوي ويضيّقه بحيث يصبح الجمال هو فقط ما هو مرتبط بها.. والقبح هو كل ما ليس فيها.. ‬
 
‫تلك النوعية من النساء هي وحدها القادرة ليس على احتلال ذاكرتك وانتباهك فحسب.. بل ومحو كل ما فيها من صور وأحداث وأمكنة وأزمنة.. وكأنما ولدت الآن.. محولة كل الأشخاص الذين قابلتهم قبلها إلى صور باهتة وخيالات غير مكتملة.. لا يمكن إعادة تشكيلها حتى.. تلك النوعية من النساء هي التي يكفيها فقط حوار واحد معك.. لتتركك مدفوعا بقوة لا قبل لك بها إلى بذل الغالي والنفيس من أجل أن تلتقيها مرة أخرى.. من أجل حوار بسيط معها.. بضع جمل فقط.. هي من تدفعك لاعتصار كل معرفتك وآرائك.. و تخطيط الكثير من الحوارات وتمثيلها فقط لتلفت انتباهها. . هي من تنزع كل وقارك وحذرك وتدفعك بخفة طفولية لا تعهدها في نفسك.. . إلى تذكّر وتنخيل كل النكت والقفشات التي تعرفها .. لتختار منها واحدة تشاركها إياها.. آملا أن تظفر منها بضحكة بسيطة تزهر في قلبك إلى الأبد.. ‬
 
‫محروم فعلا من أعمته مقاييس المجلات.. عن الجمال الحقيقي للبشر.. رجالا ونساء..
– – – – – – – – – – – – – – – – – –
.
.
هل ساعدك هذا المقال؟ .. شاركه الآن!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقك !