تنجذب الناس دائماً للشكل الجميل والأشياء الجذابة التي تراها أعينهم ..
ولكن لا أحد يتسائل عن كم الظلام وعمقه والذي أشرق بعده هذا الجمال !؟
فهذه طبيعة البشر ، حينما يجدون شجرة مُثمرة بالتفاح مثلاً ..
يسرعون لقطف الثمرة ، أو يلتقطون بجانبها الصور ..
يبهرهم دائماً الشكل الخارجي ويريدون أن يحصلوا على حصتهم بسرعة!
لا يتوقفون ولو قليلاً لينظروا ويتأملوا هذه الشجرة أو يتحدثوا حتى مع أنفسهم – لا أقول يتحدثون مع الشجرة لأن الأمر يحتاج طاقة متفجرة بداخل قلوب جداً طاهرة وجداً حية مفعمة بالمودة والحميمية – يتحدثون مع أنفسهم عن كيف هذه الثمرة خرجت ؟ .. كيف هذه الشجرة أصبحت شجرة ؟ .. وكم عاشت ؟ .. وبماذا شعرت ؟ .. وماذا قاومت ؟ .. وكم مرة مرضت ؟ .. وهل وصلت لحافة الموت ولو لمرة واحدة على الأقل ؟ .. بل ربما وصلت لحافة الموت أكثر من مرة !؟ .. وكيف أصبحت هكذا الآن بالشكل الذي يسحر أعيننا وداخلنا .. بمجرد أن ننظر لها ..
نحن دائماً هكذا سطحيون ومسرعون ..
ألا أعلم البشر ، فأنا إنسان مثلك صديقي ..
وأستطيع أن أؤكد لك بأننا دائماً ننظر بسطحية ونرغب الأشياء أن تتحقق بسرعة … مهما كانت هذه الأشياء التي نطلبها كبيرة وتتطلب بعض الوقت أو ربما الكثير من الوقت !
ولذلك عندما يقترب إليك أحدهم أو يحدث العكس ..
ينظر لشكلك .. لصفاتك .. لروحك المرحة ربما ..
أو لروحك الصامته الهادئة .. أو لنجاحاتك .. أو ..
ويظل حب الكثيرون ما بين الشكل والمظهر والنجاحات ..
والمظاهر وكل الأشياء الخارجية التي بدون جذورك لما وجدت ..
كثمرة التفاح بدون التراب والطين والبذرة التي عاشت فيه سنوات ..
ومازالت موجودة جذورها إلى الآن ، وبدون الجذور تموت الثمرة ..
تموت في نفس المكان الذي ولدت فيه وكبرت فيه ونضجت فيه !
ولذلك لا أحد يسألك عن كم الخراب الذي في داخلك !؟
عمق التربة التي عشت بداخلها كثيراً حتى تخرج جذورك ..
وما هي جذورك التي تعيش إلى الآن في أرضك ..
لا أحد يسأل كم تعرضت لإنفجارات بداخلك !؟ ..
وما هي جذورك التي الآن تحملك أنت وأوراقك وثمارك ..
وما هي قواعدك التي بنيت عليها هذا البناء الذي يجذبهم ..
وما هي أحلامك التي تمثل الروح لجذورك وأرواقك وثمارك ..
تلك الأحلام التي حينما تشرق بداخلك ..
تجعلك تشع بالجمال في خارجك ..
ذلك الجمال الذي يجذبهم لك ..
إذا أردت أن تعرف أحدهم بعمق أكثر ..
لا تنجذب ولا تتحدث فقط معه على الخارج ..
فغص قليلاً بداخله ، وقل له كيف تحول التراب إلى بناء !؟
وكم مرة أنهار بناء حاول أن يبنيه !؟ ،وكم مرة أنهار هو وهو يبني ..
وكم مرة عاش في خراب ،وكيف بعد كل هذا أستطاع بناء هذا المبني؟ ..
ومن كان يساعده؟ .. وهل فعل كل هذا وحده؟ .. ولماذا فعل ذلك؟
فنحن بداخل لعبة الحياة ، ومستوياتها على قدر بساطتها …
فهي صعبة للغاية حينما نصاب بالتشويش والعمى ..
وفي الحقيقة هناك الكثير من الأشياء بداخلنا التي نؤمن بها أو خارجنا قادرة على أصابتنا بالعمى مدى الحياة ، ولن نشعر بذلك إلا عند الموت … حينها ندرك أن ظلام رحلة حياتنا الماضية كان سببه خراب داخلنا وسواد ظلام أعيننا فقط .
ولذلك عندما تريد أن تتعرف على إنسان ما حقاً ..
إبدأ من الجذور ، فالأوراق والثمار لم تخرج أولاً ..
ولم تستطع يوماً أن تُحيي نفسها بنفسها ..
ولولا الجذور لما وجدت ولما حييت حتى الآن ..
بينما الجذور تستطيع أن تعيش حتى وإن تساقطت الأوراق والثمار ..
وأن تخلق غيرهم ، بل بكل تأكيد ستخلق من هم أجمل ..
يمكن أن تعجبك في البداية الأوراق والثمار ..
ويمكن أن تتحدث معه عنها .. في البداية فقط ..
وبعد ذلك تذهب لمن يمنح هذه الأوراق والثمار الحياة ..
فتذهب إلي الجذور .. الخراب والأساسات والقواعد ..
وشرايين الحياة لهذه الأوراق والثمار ..
إذا استطعت أن تحبها ، وأن تتفهمها جيداً ..
وأن تكون مصدر خارجي .. لغذاؤها وماؤها ..
وشمسها وقمرها ، حينها فقط مبارك عليك أوراقها وثمارها ..
* * * * * * * * * * * * * *
إبدأ من جذور الشخص .. لا من أوراقه ..
تحدث معه أو دعه يتحدث عن جذوره ..
وحينما تستطيع أن تغذي جذوره ..
تستطيع حينها أن تنشأ علاقة جداً حميمية مع أوراقه وثماره ..
لأن أوراقه وثماره كلها ستكون منك ولك ، لا شك في ذلك .
بينما الناس التي تبدأ من الأوراق والثمار ..
تعجبها شكل الأورق وطعم الثمار ..
وتبدأ في قطف الأوراق والثمار ..
هو سيمنحها لهم غالباً لن يمنعها عنهم ، لا تخف ..
ولكن لا يمكن أن تنشأ بينهم وبينه أي علاقة عميقة ..
ستظل علاقتهم بيه سطحية جداً .. وبالتالي ميتة جداً ..
فالحياة على قدر بساطتها تكره السطحية ..
لأن السطحية مع الحياة تساوي تعقيد لا نهاية له ..
بينما العمق مع الحياة يساوي التمتع بجمال وسحر الحياة ..
لا تنجر وراء سخافات الناس عن العمق ..
فأصبح الكل عميق بمجرد قراءة مقالين ..
ولكن الحقيقة التي لا شك فيها أن حياة بدون ..
سعادة وحرية وخفة وطمأنينة ، فهي حياة عقيمة وسطحية .
وببساطة أكثر الناس عمقاً في الحياة هم الأطفال .. والأكثر عمقاً منهم ، الأناس القليلون الذين هم كبار جسدياً بينما داخلهم طفولي لأبعد الحدود … ولا أتحدث عن طفولي بأنهم يقومون بأمور جنونية فقط .. بل اتحدث عن البراءة بكل ما تحمله الكلمة من معني .. أي العفوية والصراحة والوضوح .. الحرية النفسية .. التصالح الكامل مع الذات ومع الحياة .. الإنسجام مع الذات ومع الحياة .. التمسك بتفاصيل الحياة البسيطة ومنحها قيمتها الحقيقية .. كاللعب والركض والمغامرة بالنسبة لهم أعلى قيمة من طعام غالي أو عقد ألماس .. لأن الطعام الغالي أو عقد الألماس لا يمكن أن يمنح سعادة تكافئ سعادة الركض واللعب بحرية والمغامرة للأشخاص الطبيعيون فقط .
وفي النهاية عليك أن تعلم أنه حتى الإنسان السطحي يكره العلاقات السطحية! .. يكره من ينظر له بعين سطحية ، ويكره من يتعامل معه بسطحية ، ولكنه أحياناً لا يجد غير هذه العلاقات أمامه ، ولا يستطيع أن يتحرك ويسافر لربما يجد نفسه ويجد حياته الضائعة ، ولذلك الجبان المادي يقبل بأي خيار يظهر أمامه ، فهو بخيل مع نفسه وظالم لها دائماً ، ولذلك يتوقع من الحياة نفس الأمر .
أتمنى لكم دوماً علاقات أفضل .. أقوى ..
علاقات حقيقية تدوم بعدد الأنفاس ..
ربي يبنور بصيرتكم ويسعد قلوبكم ♥
* * * * * * * * * * * * * *
هل ساعدك هذا المقال ؟ .. شاركه الآن !
1 تعليق
مقال رائع ..مفعم بالحياة