((مقالة عن معنى الزواج ، وسبب كثرة الطلاق)) ..
أذكر مرة كنت أقف فيها مع صديقى (ناجاماى) ، فوق تلة صخرية مرتفعة ، نتطلع معًا إلى سطح بحر رقراق صافٍ ، تمتد زرقته نحو الأفق حتى لتكاد أن تلامس السماء ..
قال : (زوج) معناها : ز (زينة) ، (و) ، ج (جنة) .. و (زوجة) لها نفس المعنى بالإضافة إلى تاء الأنثى .. فالزواج زينة وجنة لكلا الزوجين .. وكذلك ، الزوج زينة وجنة لزوجته ، والزوجة زينة وجنة لزوجها .. والزينة تكون أكثر شىء فى الثياب ، فيصبح المعنى أنَّ الزوج هو ثوب زوجته الذى تتزيَّن به ، والزوجة هى ثوب زوجها الذى يتزيَّن به ، كلاهما زينة للآخر وجمال .. واقرأ إن شئت : (هن لباسٌ لكم ، وأنتم لباسٌ لهنَّ) ~البقرة : 187 .. أما الجنة ، فلا يجوع من فيها ولا يَعرى .. فكلا الزوجين فى حالة من الإشباع الدائم ، على جميع المستويات : فكريًّا ونفسيًّا وجسديًّا ..
هذا الإشباع يؤدى إلى نمو وارتقاء لكلا الطرفين ، عن ذى قبل .. قبل أن يتزوجا .. الجنة يأكل منها المرء ولا تأكل منه ، على غير الأرض التى يأكل منها المرء وتأكل منه .. فكلا الزوجين فى زيادة مستمرة ، بلا نقصان .. وكلاهما ستر للآخر ، كما السماء والأرض .. هل تعلم أنَّ الحديقة تسمَّى : (جنينة) ، لأنَّها تستر من يجلس فيها عن أعين الناظرين ؟ .. وسمِّيت الجنّ بهذا الإسم لخفائها عن البشر .. فكلا الزوجين مستورٌ فى عين الآخر .. لا ينظر أحدهما إلى عيوب الآخر .. وإنما ينظر إلى شريكه بعين الرأفة والحنان .. فالزوج ستر لزوجته ، والزوجة ستر لزوجها .. يستر عيوبها عن عينه وعن قلبه ، فلا يفكر فيها حتى ، وهى كذلك تفعل المثل ..
تفكرت فى كلامه ، ثم سألته ، وأنا أقذف حصاة فى البحر ، قائلًا : فما الذى يعكر صفو الزواج إذًا ؟ .. قال : عندما يرى أحدهما فى نفسه أنه أدنى من الآخر .. لقد صار (إبليس) عدوًّا لـ(آدم) ، حينما رأى فى نفسه أنَّه أدنى من (آدم) .. وهكذا ، كل من شعر بالدناءة تجاه شخصٍ فقد صار عدوًّا له .. وهذا ما يهدم البيوت ، ويفكك الأسرة ، ويفرِّق ما بين الزوجين .. إنَّ حواء مخلوقة من ضلع آدم .. مخلوقة من جانبه ، حتى يكون الاثنان جنبًا إلى جنب .. تمامًا مثل منسوب سطح هذا البحر : متساوٍ ومتناغم .. فإذا ارتفع جزءٌ فوق الآخر ، صار الأدنى ينظر للأعلى على أنه أعذب منه ، تمامًا مثل هذا الجدول العذب الذى يجرى من أعلى هذا الجبل ..
فكل أدنى يرى ما أعلى منه أعذب منه ، فيتوهم فى نفسه الملوحة ، فينشأ بين الطرفين برزخًا وحجرًا محجورًا .. وهذا هو الفراق .. وهذه هى خطيئة العصر ، الذى شاع فيه الطلاق لأتفه الأسباب .. بل لأغرب الأسباب .. فصار الطلاق موضة ، وأصبح فاكهة المجالس .. إنَّها هى الخطيئة الأولى التى اقترفها (إبليس) فى حضرة (آدم) : الشعور بدناءة النفس .. عندما يتفشَّى الطلاق فى مجتمع ، فاعلم أنَّ الشعور بالدناءة هو السائد بين أكثر أفراده ..
سألته وأنا أمسك حفنة من تراب التلة التى نجلس عليها : كيف يتولَّد ذلك الشعور فى النفس ؟ .. قال : عندما تتعلَّق النفس بالماديات .. حينما تطغى المادة بسطوتها فى القلوب ، تصبح النفس حساسة جدًّا تجاه كل ما سواها .. حتى وإن كان زوجها .. ألا ترى أنَّ أول ما قاله (إبليس) ، حين لم يسجد لـ (آدم) ، كان كلامًا حول المادة .. قال أنه مخلوق من نار .. إنَّ المادة طاغية على تفكيره .. وهكذا كل مَن طغت المادة على تفكيره ، لا يشعر إلا بالدونية تجاه أبسط الأشياء .. لذلك ، إذا رأيت الطلاق يكثر فى أمة ، فاعلم أنَّ المادة طاغية على أكثر أفراد هذه الأمة ..
.
اقرأ أيضاً: بحث عن الطلاق واسبابه وطرق علاجه
.
هل ساعدك هذا المقال؟ .. شاركه الآن!