أريد منك أن تتعلم لعب ” لعبة الحياة” علي طريقتك الخاصة ، وحينها ستتمكن من مواجهة أي من الصعاب التي تواجهك في حياتك الخاصة والتغلب عليها ، ويمكنك أن تعيد وضع قواعد اللعبة بحيث تكون السلالم أكثر من الثعابين وبحيث تتحكم في كل حركاتك وتكتشف الوسيلة التي يمكن أن تتخطي بها أياً من الثعابين عندما تواجهك في أي مكان ، وأنا أريد منك أن تكون علي يقين بأن العديد من الثعابين التي تواجهها أثناء تحركك هي مجرد أوهام أو تحديات غير موجودة علي أرض الواقع وإنما توجد داخل عقلك فقط . والأكثر من ذلك أن العديد من السلالم التي يبدو أنه من الصعب تسلقها ليست بالصعوبة التي تتخيلها .
أريد أن أقص عليك هذه القصة …
يٌحكي أنه قد جاء طفل إلي العالم قبل موعد ولادته بأيام . لقد خرج الطفل من رحم أمه متحمساً لرؤية العالم من حوله ، فطغي هذا الحماس علي مجالات حياته كافة . فلم يكن يرغب أبداً في البقاء ساكناً ؛ ومن ثم ، كنا إذا نظرنا إليه رأينا العالم عبارة عن ملعب كبير يقف هو في منتصفه ، لقد بدأ في ممارسة لعبة السلم والثعبان علي طريقته ، وقضي معظم أوقاته يرتقي السلالم . فهو ينظر لكل يوم باعتباره صفحة جديدة في حياته تحمل معها الأمل والتفاؤل والحب ♥ له ؛ فلا مجال للبكاء علي الماضي أو ترقب المستقبل لأن الحاضر هو كل ما يشغله ، وكان يومه يتضمن تفكيك الأشياء والصياح والضحك وإخفاء الأشياء وإلقاء النكات والجري والقفز والتعبير عن نفسه بكل الوسائل الممكنة ، كما أنه كان يشعر بالفضول وحب الاستطلاع ويرغب في استكشاف كل ما يحيط به ، ولم يكن يأبه بآراء من حوله فيه ، فلم يكن يشعر بالخجل من تصرفاته التلقائية والعفوية وكان يشعر بالرضا التام عن نفسه ، وكان يستمتع بالحياة في بساطة ويؤمن بقدرته علي القيام بأي شيء .
لقد حافظ هذا الطفل علي حماسه ليبدع ويستكشف الأشياء من حوله ويستمتع بحياته طوال الأربع سنوات الأولي من عمره ، ولكن لا شيء يبقي على حاله . فسرعان ما بدأ من حوله في توجيه التعليمات التالية له : ” اجلس ساكناً ” ، ” والتزم الهدوء والصمت ” ، ” ونَفذ ما يٌطلب منك ” ، ” لا تلعب ! ، لا تجري ّ ، لا تقفز ! ” وهكذا ، ولكنه لم يستوعب معني هذه التوجيهات ولماذا يؤمر بالقيام ببعض الأمور بطريقة مختلفة . وحينها اكتشف وجود بعض الثعابين بين السلالم تعوق تقدمه ونمو روحه وقلبه وعقله .
شعر والدا الطفل بالحرج والإرهاق من نشاطه المتواصل وقررا مراقبة تصرفاته طوال الوقت والصياح به وتوجيه الأوامر له بعدم الحركة والجري واللعب ، وفي المدرسة ؛ كان مدرسوه يطلبون منه طوال الوقت الجلوس في هدوء والاستماع للدرس . وكان لا يجد غضاضة في ذلك حين يكون الدرس ممتعاً ولكنه أمر نادر الحدوث ، فقد شعر الطفل بأن المدرسة مثيرة للضجر وأخذ في التجوال في المدرسة والتصرف بأسلوب غير لائق والعبث طوال الوقت ، وأصبح مهرج الفضل وبدأ المدرسون يعاملونه بطريقة سلبية ، إلي أن حدثت الكارثة عندما انتهي من حياته عالم المرح والمتعة وبدأ عالم الجدية والعبوس الخاص بالكبار ، وحينها فقدت الأشياء متعتها السابقة وماتت جزء من تلك الروح البريئة ! .
لقد بات يتردد علي مسامعه الكثير من الأوامر والنواهي وتم تحذيره من التحدث بعفوية ومن لمس الأشياء والجري في أنحاء المكان والقفز والمرح ؛ كما طٌلب منه تنفيذ الأوامر بحذافيرها والقيام بالأمور الصائبة الخاصة بعالم الجدية والعبوس الخاص بالكبار وتأدية واجباته المدرسية مع انه لا يشعر بأنها أشياء مفيدة تثير شغفه ، عقله . واستمر هذا الأمر طويلاً إلي أن بدأ يشعر بالحيرة حول ما الصواب وما الخطأ ، مما تسبب في شعوره بالتعاسة والارتباك والضغط . لقد كان كل ما أراده هذا الطفل هو أن يكون محور عالمه السحري وهو صاحب اختيار طريقة لعب ” لعبة الحياة ” ، ولكنه حين أدرك أن عليه إتباع قواعد المجتمع الذي نشأ فيه ، بدأ يقع في المشاكل وبدأت يزداد الضغط والارتباك والتعاسة في حياته .
وتكرر علي مسامعه كثيراً أنه يجب علي كل فرد النضج في مرحلة معينة من حياته ، كما يحتاج كل فرد إلي بعض التعليمات والإرشادات لتوجيهه إلي طريق السلوك القويم ( وهي المرحلة التي يبدأ فيها حفر بداخل الطفل عادات وتقاليد المجتمع الذي ولد بداخله ) ؛ ولكن لم ترق لهذا الطفل فكرة أن يتم توجيهه حيال ما يفعل وما لا يفعل ( لأنه خلق كائن حر ..هكذا خلقه الله ) ، وكذلك فهو لم يكن يرغب في الجلوس هادئاً وتنفيذ تعليمات من حوله ، ولطالما وبخه والداه بقولهما : ” أنت لا تفكر سوي في نفسك ” ؛ وقد كان ذلك صحيحاً لأنه لم يكن يريد سوي التعبير عن نفسه والتصرف بتلقائية .
وكنتيجة لتكرار توبيخه ، توقف الولد عن القيام بما يريده وأصبح يراعي بشدة رغبات الآخرين ، كما أنه توقف عن ارتقاء السلالم وأصبح يفكر في تأثير نتائج تصرفاته علي كل من حوله . وأخذ في مراعاة رغبات الآخرين وتفضيلها علي رغباته ، وأصبح يشعر بالخجل من نفسه ومن عفويته ومن صدق مشاعره وأصبح يقضي فترات طويلة في مقارنة نفسه بالآخرين . كذلك ، لقد زادت قدرته علي التفكير بشكل ملحوظ وأصبح كل ما يشغل فكره ؛ كيف يتصرف بطريقة تٌرضي الآخرين !! ، وتعلم أن يكبح مشاعره بدلاً من التعبير عنها .
وعلي الرغم من أنه ما زال يحتفظ بروح المغامرة والمرح بداخله ، ولكنها اختفت بسبب عدم إحساسه بالأمان ورغبته في الشعور بقبول وحب الآخرين له ، واستمر شعوره بانعدام الأمان والقلق في الازدياد وظل ملازماً له أينما ذهب .
لقد اعتاد الطفل هذا الشعور لدرجة أنه لم يعد يتذكر وجود الأمان والمرح والمتعة من الأساس . وأصبح هذا الشعور وكأنه أحد المكونات الأساسية لشخصيته ، واستمر الحال على هذا المنوال حتي وصل إلي مرحلة البلوغ التي صاحبها تغير شامل في جسده ، فزاد شعوره بفقدان السيطرة علي نفسه وعلي حياته ، وحينها قام بقضاء معظم وقته وبذل أقصي جهده ليحاول التأقلم مع من حوله ، كما أنه تحول من شخص مليء بالحيوية والنشاط إلي شخص يعاني من الكثير من الشكوك والقلق والخجل من نفسه ، وللأسف .. لقد انقضي بالنسبة له عهد راحة البال والحياة المليئة بالمرح والمغامرة والفضول وحب الاستطلاع والمتعة ( التي كان يقوم فيها بارتقاء الكثير من السلالم وتحول يعيش وسط الثعابين في لعبة الحياة .. ينتقل من ثعبان لـ ثعبان ومن خسارة لـ خسارة ومن ألم لـ ألم ….. )
لست في حاجة إلي أن أحدد لك هوية هذا الطفل فأنت تعرفه حتماً ، هذا الطفل هو أنت أو أنتي ؛ هذه هي قصة طفولتك ، قصة سعادتك ، قصة تميزك ، قصة حياتك التي كانت مليئة بالمرح والمغامرة والفضول والمتعة ؛ أما الآن حياتك .. أنت تعرفها جيداً وتعيشها يومياً وسط كم الضغوط التي ورثتها وصدقتها من أهلك ومن مجتمعك ، وأمنت بها بقوة وبتعصب ! بدون أن تستخدم روحك أو قلبك أو عقلك ! ، وبدون أن تفكر أو تتفكر في هذه الأفكار والقناعات التي ورثتها والآن هي سبب تعاستك … و صحيح كيف تفكر ؟! ؛ وأنت أصبحت تَعبد ظَن الناس والمجتمع فيك وشكلك ومظهرك أمامهم ؟ أصبحت تقدم رغباتهم وأفكارهم على رغباتك وأفكارك …. وافتقدت السيطرة علي حياتك … وأصبحت حياتك تسير وفقاً لقواعد أشخاص آخرين غيرك أنت !! ، فكيف تريد أن تأتيك السعادة والنجاح والمتعة وراحة البال وأنت أسير ظنون وأفكار المجتمع ؟ وتلقي اللوم علي الدنيا وعلى القدر … والحقيقة يا صديقي أنت السبب الأول والأخير . تفكر يرحمك الله
انصحك بقراءة مقال: حياتك تبدأ عندما تستفيق لا عندما تولد
هل ساعدك هذا المقال ؟