الرئيسية » خواطر » خواطر جميلة » خواطر عن الموت والرحيل

خواطر عن الموت والرحيل

بواسطة عبدالرحمن مجدي
1849 المشاهدات
خواطر عن الموت والرحيل
أريد أن أعبر عن مشاعري في هذه اللحظات التي لا أستطيع ولا أريد نسيانها .. للحظات مروري بحادثة خروج روح كائن حي أمامي لأول مرة! .. لا أستطيع نسيان هذه الحادثة رغم مرور أكثر من يومين … الحكاية بدأت هكذا :
 
بعد منتصف الليل وجد أبي عصفور صغير على أرضية البلكونة لا يطير ولا يتحرك! .. فأحضره لي وأنا كنت جالس أمام الكمبيوتر أعمل ، فرحت كثيراً بالعصفور وشعرت بأنها أعظم وأجمل هدية منحني إياها أبي .. قمت بتقبيل هذا العصفور كثيراً وشممت رائحته وحاولت أن استشعره بيدي برقة ، وكنت أحاول أن اقرأ مشاعره ..
 
ثم في لحظات الفرحة هذه أدركت أن ذلك العصفور بكل تأكيد لديه مشكلة ما ؛ لأنه لا يستطيع أن يطير ، فبحثت في جسده لعلي أجد مكان إصابة ما أو دم ، فربما يكون هذا هو السبب في عدم حركته وعدم طيرانه كالمعتاد ، ولكنني لم أجد شئ ..
 
أحضرت له الماء ، ولكنه كان هادئ وساكن بشكل غريب! ولم يشرب من الماء أيضاً .. أحضرت قطعت من القماش لأغطي جسده بها ربما تعرض لمرض ما بسبب البرد الشديد في الخارج ، وتمنيت من كل قلبي أن يشفي الله مرض هذا العصفور وأن يعيش ، وبالغد أمسكه بيدي وأخرجه من غرفتي إلى الدنيا ليعود لسماءه ولأحبابه ولحياته ولرحلته .. تمنيت بشدة أن أستطيع إنقاذ روحه من الموت !
 
بالطبع نسيت العمل وبدأت اسأل أصدقائي إن كانوا يستطيعون مساعدتي في هذا الأمر ، ولكن لم يكن أحد يستطيع .. فجأة وجدت هذا العصفور نائم على جانبه الأيمن يتنفسر بعمق ، فرحت طبعاً لأنه يتنفس فهذا دليل على أن قلبه مازال ينبض بقوة .. أي لن يموت! .. وهذا التنفس العميق والقوي ربما يفعل ذلك حتى يدفئ جسده من البرد الذي كان يعيشه في الخارج كما يحدث معي أنا أحياناً …
 
وقولت اذن لأعود للعمل ، واتركه يستريح .. ولكنني سمعت صوت خافت يخرج منه بالطبع لم أفهمه ، فنظرت إليه ووجدته يفتحه فمه الجميل بالكامل ويغلقه باستمرار ، وعينيه تنظر في عيني! .. قلت في نفسي ربما يتنفس .. ربما يريد أن يقول لي شئ ما .. ربما يقول لنفسه شئ ما .. بالطبع أنا لم أفهم شئ .. نظرت له بحب ، وتمنيت له الشفاء وأن يخرج غداً لعالمه ولأحبابه ليكمل رحلته مع من ينتمي لهم ..
 
وأكملت عملي وهو أمامي ، وبعد دقائق قليلة دخلت أمي غرفتي ونظرت إليه وقالت لي هو مات! .. لم يستوعب عقلي هذا وقولت لها هو نائم فقط .. قالت لي: لا ، طالما رأسه أصبح بهذا الشكل هو مات! .. وخرجت .. ثم نظرت إليه فوجد جسده كان أصبح أنحف ، ونبضه توقف تماماً ، وجسده أصبح كأنه كتلة جامدة بعد أن رقيق ومرن … حاولت أن ألمسه وصعقت لأن هذا ما حصل فعلاً .. كل شئ في جسده توقف !
 
ظل جسدي يرتجف لدقائق ربما أكثر من 15 دقيقة يرتجف .. حزنت عليه .. وظللت اسأل نفسي: هل روحه خرجت بهذه البساطة !؟ .. هل هو مات أمام عيني بدون أن أشعر !؟ .. هل روحه خرجت من جسده ولم ألاحظها وهو أمامي !؟ .. ماذا كان يقول لي !؟ .. ماذا كان يخبرني قبل موته !؟ .. هل كان يتحدث عن نفسه أم عن أحبابه أم عن الله أم عن الحياة أو عني !؟ .. ماذا كان يقول !؟ .. هل كانت هذه كلماته الأخيرة ! .. كيف حدث هذا لم أكن أتوقع هذا مطلقاً .. هل الأمر بهذه البساطة !؟ ..
 
وبعد كل هذه الأسئلة والتي لم تتوقف .. ذهبت لأكمل عملي ربما استجمع نفسي أو أشغل نفسي بشئ آخر ، وتركته أمامي كما هو ولكنه الآن ميت وأنا أعلم ذلك .. وظل جسدي يرتجف رغم أنني أحاول أن أعمل .. دخلت أمي مرة آخرى غرفتي لتخبرني أنه يجب أن أدفنه في التراب الآن ..
 
حملت هذا الصغير على يدي ، وكانت عينيه ممتلئ بالدموع وتنظر تجاهي !!!! .. لا أستطيع نسيان هذا أبداً … الأسئلة أنفجرت أكثر بداخلي .. ماذا كان يقول لي ؟ .. هل أنا تسببت له بالأذى أو بالألم وأنا لم أشعر بذلك !؟ .. هل كان يخبرني أنه يريد أن يعيش أكثر في هذه الرحلة وأنه لا يريد أن يخرج منها الآن !؟ .. هل كان يخبرني بأنه يحبني أم بأنه شعر بالألم بسببي !؟ .. هل كان يخبرني عن أحبابه وأصدقائه !؟ .. هل كان يخبرني عن الله !؟ .. هل كان يخبرني عن نفسه وعن رحلته القصيرة !؟ .. ماذا كان يخبرني !؟ .. كيف كانت مشاعره !؟ …. آه يا ربي !
 
ثم ذهبت إلى القرب من شجرة في شارعي وحفرت له قبر لأدفن جسده فيه ، والأسئلة مازالت تدور .. وأيضاً المزيد من العبر تضربني .. كم هو سهل الرحيل !؟ .. خروج الروح من الجسد سهل لهذه الدرجة !؟ .. لا تستطيع أن ترى خروجه ولا تستشعرها وهي أمامك !؟ .. موت روح كائن حي تعرفه سهل جداً لهذه الدرجة … كم هي غريبة وجميلة وممتعة ومؤلمة لعبة الحياة وأيضاً كم هي غريبة وجميلة وممتعة ومؤلمة لعبة الموت !!
 
وأخيراً تمنيت ومازلت أتمنى من الله بعد موتي أن يجمعي بهذا العصفور وأن يجعلني أفهم كل كلمة قالها لي .. وأن أستشعر بكل شعور كان يشعره وكل شعور كان يريد أن يخبرني به .. وأن يغفر لي وأن يسامحني هذا العصفور إن كنت قد تسببت في ألحاق الألم به بدون أن أدرك بسبب جهلي …
– – – – – – – – – – – – – – – – – – – – –
.
عبدالرحمن مجدي
 
هل ساعدك هذا المقال ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقك !