ما الدْي يجعل الناي ناي؟ ليس الأسم أو الرسم, إنه دْاك الفراغ الذي يوصل شفتا العازف بهيكل الناي. إن كان الناي مليئاً بنفسه فلن يكون هناك فرق بينه وبين اي قطعة خشب. الفراغ الذي في الناي هو الذي يجعله يعزف أعظم المقطوعات. وكذلك أنت. نفخة الله في نايك الطيني, لما تحجبه عنك بإمتلائك بنفسك الطينية؟ حينما تتدْكر بأنك لاشئ فستتدْكر بأنك كل شئ, فحينها تعزف شفاة الحق أعظم معزوفة من خلالك
المعنى:
ما الذي يجعل الأنسان إنسانً حقاً؟ ليس إسمه أو جسمه, إنه ذاك الأستسلام الكامل (الأنمحاق التام) الذي يوصل الروح الحقة بالجسم الطيني, إن كان الأنسان مليئاً بنفسه وتشوشاته وتعلقاته فلن يكون هناك فرق ما بينه وبين الطين فكل منهما ميت من دون غاية, الأستسلام التام بالأنسان وفراغ باطنه من أوساخ الغفلة وشهوات النفس هو ما يجعل منه متمم لغاية وجوده, فبفراغه من أوهامه ونفسه الدنية ينفخ الحق فيه من روحه فيمتلئ باطنه بالحق, فيكون الأنسان كألة فارغة بين يدي الحق يعزف فيه ما يشاء فيتحقق فيه غاية الغايات من وجوده.
– – – – – – – – – – – – – –
إني غير متحرك بالمظاهر, ولهدْا كل المظاهر ستتحرك وتزول
فأنت الثابت في حقيقتك وكل وهمٍ كالغيم يأتي ويزول, فدع الفاني للفاني يعود وابقى مع الباقي أبد العهود.
التأويل :
إني غير متحرك بالمظاهر, ولهذا كل المظاهر ستتحرك وتزول : دعاء توكيد وتأكيد في حصوله ويقين من دون ذرة شك وتخمين. جملة الدعاء في صيغة المضارع لأنه حاصل يحصل وليس بمستقبل لربما قد يحصل. دعاء المتصل الغير منفصل بإتصاله للفعال لما يريد, دعاء من عرف وأغترف. ومعناه بأني غير منفعل ومتحرك بأوهام وألوان المظاهر من المصائب والمآسي يا ناسي, وشهوات النزوات والغرور بالفانيات, غير متحرك بمحرك لعاب الطمع ولا متأرجح برجفات الخوف والقلق لأني على يقين بأن أوهام المظاهر ستتبخر وتزول, وأن الله من يحول ويجول فهو كان وما يزال واحد أحد فرد صمد. يا من تفهم فأهم ولا تتحير وتتغير بتغير الأصنام والأوهام, فكل كتاب على اللوح مكتوب وبدقة محسوب غير مردود.
فأنت الثابت في حقيقتك وكل وهمٍ كالغيم يأتي ويزول فدع الفاني للفاني يعود وابقى مع الباقي أبد العهود.: أنت يا ثابت يا قديم يا شاهد ويا مشهود, يا من تشهد من خلال عيوني وتسمع بأدْانهم, عليك توكلي لثباتك يا باقي أما غيم الوهم فيتغير ويفنى, فسأتركه لأجل الباقي الأبدي الأزلي الدْي لا يفنى
– – – – – – – – – – – – – –
أنا لست أبن ثري وبيتي القصور، وليس ملبسي الحرير أو لي زوجة من الحور، لا أكل الثمين أو أحب التظاهر والغرور، أنا إبن إمي ومأكلي الخبز والزيتونَ، ومشربي ماء صاف من دون غازات أو تلوينً، ملبسي خشنٌ وسريري حصيرة، بيتي من قش ولكن يعيش فيه الرحيمَ. ليس لي أرض أحرثها أو سماء أنطرها أو بيت يأوينا. لست مقيد بماض ينسيني أو مستقبل يلهيني أنا ابن أمي وبها أحيى وأعيش السكينة. إن كنت لا تعرفني فأعرف بأن ليس لي أسم أورسم أو تقسيمَ أنا واحد متوحد بالوحدة لا أنقسم وإن ظننت بي الكثرة والتقسيمة.
التأويل:
إبن ثري: أي إني لست أبن الدنيا الزاخرة بالمطامع والشهوات،
بيت القصور: وهو إشارة لمقام الغفلة والتقصير،
ليس ملبسي الحرير: وهي الراحة والكسل،
زوجة من الحور: زوجة نفسك الأمارة بالسوء التي تزين بزينتها الحرام وتحرم الحلال،
لا أكل الثمين: معناه أني أخترت البساطة والتواضع والدْلة،
أنا ابن أمي: أي أبن اللحظة،
مأكلي الخبز والزيتونَ:أي حياة التقشف والرضى
مشربي ماء صاف من دون غازات أو تلوينً: معناه بأن مددي الحق والحضرة مباشرة من دون فقاقيع غازات الأوهام أو تلون النفس.
ملبسي خشن: اللباس الطيني وهو الجسد،
وسريري حصيرة: وهي السريرة الباطنية المحصورة في مشاهدة الحق فقط ،
بيتي من قش ولكن عاش فيه الرحيمَ: بيتي هنا هو قلبي الطري الدْي هو بيت الرحمن الرحيم،
ليس لي أرض أحرثها: أي ليس لي أمور بالدنيا أسعى ورائها،
سماء أنطرها : أي أحلام وأمال أرتقبها
بيت يأوينا: هو بيت البقاء في الدنيا ودْلك من المستحيل المحال،
مقيد بماض ينسيني: لست مقيد بأغلال الماضي التي تنسيني حقيقتي الحقة،
مستقبل يلهيني: بمعنى أني فارغ عن خواطري فلا أدع مخاوف المستقبل تلهيني عن غايتي لله سبحانه.
أنا ابن أمي وبها أحيى وأعيش السكينة: أنا ابن الحضرة و اللحظة التي بها فقط يعرف الأنسان طعم الحرية والسكينة ، إن كنت لا تعرفني فأعرف بأن ليس لي أسم أورسم أو تقسيمَ: إن كنت لا تعرف بأني أنت فأعرف على الأقل بأنني من وراء الأسماء فلا أسم يحكمني أو رسم وجسد يحدني أو تقسمني كثرة، أنا واحد متوحد بالوحدة لا أنقسم وإن ظننت بي الكثرة والتقسيمة: أنا واحد متوحد بكل شئ في كل شئ لا تقسمني الكثرة، أنا كالبحر الواحد لا تجزئني تعددات كثرة الامواج.
– – – – – – – – – – – – – –
معظم الناس حيارى عن ما هي الحقيقة, معظمهم يعتقدون و يظنون بأن الحقيقة الكبرى هي ان تكون سعيداً , فلتعلم بأن الحقيقة هي ابعد ما تكون عن كل ثنائية, انها وراء حدودنا المريحة, ولهذا قول الحقيقة يشعل لهيب الكثيرين, أفضل المتكلمون بالحقيقة هم ليسوا أؤلئك الذين يناولوك اياها نية ومباشرة كمثلما تناول شخص سمك نيً للعشاء, بل أفضلهم هم من يطهوه ويبهروه ويبطونه داخل الرز ويضيفوا إليه بعض الخضار فيصبح على شكل سوشي لذيذ حتى يسهل استطعامه بتلذذ, وهذا ما فعله كل الأنبياء والأولياء..التفسير:
“حيارى عن ما هي الحقيقة”: فالحقيقة رقيقة مقاماتها شهيقة لا يمكن للعقل المحدود إستيعاب دقتها وبحارها الغويطة وتجلياتها العديدة، مما يخلق الحيرة والتحير لاهل الحيرة والتغير. “معظمهم يعتقدون و يظنون”: لأن الحقيقة لا يمكن إستيعابها عبر العقل فقط. يظنون بأن “الحقيقة الكبرى هي ان تكون سعيداً” : هدْا ما يعتقده الكثيرون من أهل الجيل الجديد والطامعون بالجنة والباحثون عن ماستر وغيرهم, هم بالحقيقة يبحثون عن ما فيه إراحتهم من أوجاعهم وألامهم وكأنهم يبحثون عن حبوب مهدئة للتخلص من الألم وليس في سبيل الحق والحقيقة. فأعلم بأن “الحقيقة هي ابعد ما تكون عن كل ثنائية”: لأن الحقيقة فوق الجهات والوصف فطريقها اللاطريق ووجتها الأستسلام والتسليم. ولهذ “قول الحقيقة يشعل لهيب الكثيرين”: لأن أغلب البشر لا يستطيعون تحمل كل ما هو خارج عن صندوق مآلوفهم وحدود مفهومهم وكل جديد من ما ليس فيه أريحية. فليس من الحكمة التكلم في الحقيقة بطريقة مباشرة وكأنك تقدم سمك ني للعشاء, ولكن من “أفضل الطهاة هم من يطهوه ويبهروه لك على شكل سوشي لذيذ”: وهو فن الفنون بأن تجلب الحقيقة النية “السمك الني” و تطهوه أي تبرمجه على قدر إستيعاب البشر وتبهره على شكل سوشي لدْيدْ اي تبطنه داخل لوحة فن جميلة أو قصة فيها عبرة أو قصيدة شعر أو أي عمل فني أو شئ أخر بطريقة غير مباشرة. وهدْا سر كتابة القصص في الأنجيل والقرأن ليضرب الله الأمثال للناس. هووو
– – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – –
اقرأ أيضاً: خواطر راقيه قصيره
اقرأ أيضاً: خواطر قصيره روعه عن الحياة
اقرأ أيضاً: خواطر جميلة
اقرأ أيضاً: خواطر راقية جدا
.
محمد الغوشي
هل ساعدك هذا المقال ؟