الرئيسية » قوانين حياة من القرآن » قصة الحسن البصري والحجاج بن يوسف

قصة الحسن البصري والحجاج بن يوسف

بواسطة عبدالرحمن مجدي
2281 المشاهدات
قصة الحسن البصري والحجاج بن يوسف

الحجاج بن يوسف والحسن البصري والإسلام الوسطي الكيوت..

المحتويات

1- من هو الحجاج بن يوسف الثقفي

الحجاج بن يوسف لمن لا يعرفه هو أحد القادة العسكريين والولاة لبني أمية.. ولي العراق مدة عشرين عاما.. وولي الحجاز لفترة قصيرة.. وينسب له الكثير من الفتوحات الإسلامية خصوصا في آسيا الوسطى، إلا أن الرجل اشتهر أيضا بمغالاته في سفك الدماء على أهون سبب، حتى يقدر المؤرخون عدد من قتلهم الحجاج من المسلمين فقط، بأكثر من مائة وعشرين ألفا.. هذا باستثناء من قهرهم وسجنهم وعذّبهم.. ويضاف لسجله أيضا محاصرة مكة.. ضرب الكعبة بالمنجنيق.. ثم قتل عبدالله بن الزبير داخل المسجد الحرام، وصلبه في صحن الكعبة لثلاثة أيام..

2- من هو الحسن البصري

أما الحسن البصري فهو من كبار التابعين، وإمام أهل البصرة في زمانه.. وكان عالما كبيرا ومحدّثا وله مجلس للعلم يجتمع فيه كبار العلماء في ذلك الزمان.. ويكفيه شرفا، أن السيدة عائشة (رض) بنفسها قد أثنت عليه.. والسؤال التاريخي هنا.. بما أن هذا الشيخ الكبير قد عاصر الحجاج وشهد على فظائعه وعلى الدماء التي سفكها والأرواح التي أزهقها.. فماذا كان رأيه فيه؟ خصوصا بعد موته..

تقول كتب التاريخ أنّ الحسن البصري وعلى مقته الشديد للحجاج ووصفه له “بعذاب الله” قد رفض وبإصرار شديد أن يشهد له بالنار.. وأوكل أمره إلى الله.. بل وتروي الكتب أيضا قصة جميلة جدا، عن أنه وبعد وفاة الحجاج ، قام فتى في مجلس الحسن البصري بلعن الحجاج.. فقال له الحسن .. “يا ابن أخي، أما الحجاج فقد مضى إلى رَبِّه.. وإنك حين تقدم على الله، ستجد أن أحقر ذنب ارتكبته في الدنيا أعظم في نفسك من أكبر ذنب اجترحه الحجاج، ولكل منكما يومئذ شأن يغنيه.. واعلم أن الله سيقتصّ من الحجاج لمن ظلمهم، كما سيقتصّ للحجاج ممن ظلموه، فلا تشغلنّ نفسك بعد اليوم بسبّ أحد..”

وبمقاييسنا اليوم، وبما يدور حولنا من أحداث.. سنسأل الحسن البصري.. لماذا امتنعت أيها الشيخ الجليل أن تشهد للحجاج بالنار؟ ألم تشاهد من قتلهم بعينيك؟ ألم تقرأ القرآن الذي يقول “ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالداً فيها”؟؟ أم أنك تريد تمييع الدين والظهور بمظهر المسلم الوسطي المعتدل يا حسن يا بصري يا كيوت إنتَ؟ ها؟

3- لماذا لم يحكم الحسن البصري على الحجاج بالنار؟

الحقيقة أن الحسن البصري قد لا يتمكن من أن يجيب أسئلتنا هذه الآن.. لكن لو قدّر له الإجابة، لقال أنه يعرف تماما كل هذه الآيات.. بل ويعرف أيضا تلك الآيات التي توعدت القاتل والزاني بالعذاب.. وأولئك الذين يكنزون الذهب والفضة لتكوى بها جباههم، وآكلي مال اليتيم.. وغيرهم من أصحاب الذنوب.. لكنه موقن أيضاً أن كل تلك الآيات الوعيدية إنما تحكمها كلها آية مفتاحية مركزية يقرأها الأطفال في سورة القارعة وتقول في آياتها “فَأَمَّا من ثقلت موازينه*فهو في عيشة راضية* وَأَمَّا من خفّت موازينه*فأمّه هاوية*وما أدراك ماهيه*نار حامية”

أي بتفصيل أكبر كان الشيخ الحسن البصري ليقول لنا.. أن الله فعلا قد توعد أصحاب الكبائر بالعذاب لكن هذا العذاب سيقوم فقط في حال تجاوزت سيئات الإنسان حسناته.. في حالة “خفّت موازينه”.. أمّا لو أن تلك الموازين التي تجمع الحسنات والسيئات قد ثقلت لصالح الإنسان فلن يعذّب.. بل هو في عيشة راضية.. حتى مع ارتكاب تلك الكبائر.. لأن النتيجة النهائية (حاصل جمع السالب والموجب) كانت لصالحه..

وحيث أن الحسن البصري إنسان محدود القدرات مثلنا جميعا، ولا علم لديه بما سيحدث في موازين الحجاج يوم القيامة فأوكل أمره إلى الله وحده.. ورفض الشهادة له بالنار.. وهذا موقف أقل ما يقال عنه أنه شجاع جدا.. خصوصا في مواجهة الغضب الشعبي الذي كان يلعن الحجاج صباح مساء..

والسؤال الثاني هنا.. هو لماذا فعل الحسن البصري ذلك؟ ولماذا لم يشفِ غليل جمهوره العريض بالحكم على الحجاج بالنار خصوصا أن دماء ضحاياه لم تجفّ بعد؟ في ظني المتواضع، أنّ الحسن البصري وبفطرته الصحيحة، قد أدرك أن الحكم على الحجاج بالنار (عدا عن خطئه) فمن شأنه أن يفتح بابا لا يغلق.. بابا يستبيح فيه الناس الحكم على مصائر بعضهم البعض في الحياة الدنيا، وبأدلّة من آيات العذاب في القرآن الكريم.. فأراد أن يبقي هذا الباب مغلقا، إلا أنه من الواضح أن هذا الباب للأسف قد فتح..

4- الهجوم على طالبي الرحمة للمنتحرين والشواذ!

فكل ما تراه اليوم حولك من هجوم مستعر على طالبي الرحمة لسارة حجازي وغيرها من العصاة، يستبطن في داخله حكما مسبقاً عليها بالنار.. وهو الحكم الذي نجا منه الحجاج نفسه! في هدم واضح وصريح لمفهوم الموازين المركزي.. الذي جعل الحكم النهائي لمصير الإنسان مربوط فقط بمجمل أعماله، وبرحمة الله التي تتدخل فقط لمصلحة الإنسان.. عبر غفر ذنوبه (تقليل السالب) ومضاعفة حسناته (زيادة الموجب)..

وحيث أن المقال قد طال وطال.. ولَم يعد من الممكن اختصاره.. وحيث أن المشرط بدأ بالعمل.. لنسأل الأسئلة الصعبة فعلا.. هل المثلي/الشاذ محكوم بالنار فعلا؟ الجواب الحقيقي.. لا.. من الممكن أن يدخل الشاذ الجنة ومن الممكن أن يدخل النار بالطبع.. الموضوع مرتبط بحاصل موازينه.. وَمِمَّا لا شك فيه أن كونه شاذا سيكون عاملا سلبيا في موازينه.. لكن هل هو العامل الوحيد؟ لا طبعا.. العامل الوحيد هو ناتج عملية الجمع بين السيئات والحسنات.. ورحمة الله عز وجل التي إن تدخلت فهي تتدخل لمصلحة الإنسان لا ضد مصلحته..

والتطبيق الحقيقي لهذا المثال.. هو في الحديث الشريف.. عن بغيّ بني إسرائيل التي أخبر النبي (ص) أنه الله أدخلها الجنة بسقايتها لكلب! لم يقل الحديث أبداً أنها قد تابت عن البغاء وأصبحت قديسة.. بل ربّما استمرت فيه حتى نهاية حياتها.. لكن عند جمع حسناتها وسيئاتها.. وبتدخل رحمة الله التي غفرت السيئات.. كان المجموع النهائي لها.. فدخلت الجنة.. بهذه البساطة.. وعليه هل يمكن للشاذ دخول الجنة؟ بالطبع.. وقد يدخل النار بالطبع.. الموضوع ليس بأمنياتي ولا أمنياتك.. إنما رهن مجموعه..

5- مفهوم الموازين الذي يتعامل به الله معنا !

لماذا نقول هذا الكلام؟ نقوله لأن مفهوم الموازين الذي تكرر كثيرا في القرآن الكريم هو مفهوم جامع أولا.. وبكسر هذا المفهوم في نفوس الناس شيء خطير جدا.. لأنه لا يعود هنالك معنى أبداً للتوبة.. ولا لفكرة أن الحسنات يذهبن السيئات.. الإسلام ضد الخطايا بالطبع.. وضد الشذوذ الجنسي على طول الخط.. لكن الشذوذ لا يخرج الإنسان من الملة.. إنما هو ذنب كغيره.. والقتل الذي لا يخرج الإنسان من الملة أعظم عند الله من الشذوذ.. وينطبق على الانتحار طبعا ما ينطبق على الشذوذ. ذنب عظيم لكنه لا يعطي ضمانة أكيدة بالنار..

طبعا هنا قد يقول قائل أنّ هذا دسّ للسمّ في العسل، وأن سارة حجازي كانت ملحدة أيضا.. وبالتالي فموضوع الموازين غير منطبق عليها أساسا لأنها غير موحدة.. ولهؤلاء نقول.. أن هذه الفتاة كانت مسلمة في يوم ما.. وسجدت لله في لحظة ما.. بل وكتاباتها الطفولية التي تنتقد فيها الإسلام وشيوخ الدين إنما تدل على غضب من الدين أكثر منه إلحاداً بالله وشركا به.. ومجدداً، وحيث أننا لا نطلع على خفايا القلوب فلا ندري فعلا ما كان بينها وما بين الله.. الحجاج نفسه دارت حول إسلامه شبهات كثيرة.. ومع ذلك أوكل الحسن البصري أمره إلى الله..

6- الخلاصة

الخلاصة.. وعذرا على الإطالة فعلا.. وقطعا للطريق على أي استنتاجات، فأقول أنني شخصيا ضد الشذوذ الجنسي على طول الخط.. ومع إدانته وتجريمه.. بل وأعتقد أن تجريم السلوك الشاذ (دون تحقير من يمارسوه) هو جزء من علاج من يمارسون هذا السلوك.. الضغط المجتمعي هنا يلعب دورا حاسماً في سيطرة الإنسان على نفسه.. وضد الانتحار أيضا لأنه هدم لمبدأ الصبر الذي تقوم عليه الحياة نفسها.. وبالتأكيد ضد الإلحاد والتجديف والسخرية من الأديان.. ومدرك بعمق لكل الموجات التي تروج لهذه المفاهيم الآن في الإعلام وفِي وسائل التواصل..

لكنني مصرّ أنه وفِي سبيل محاربة هذا الموجات السيئة.. لا ينبغي لنا أن نهدم مفهوم الموازين الأساسي هذا.. ونأخذ نحن دور الله لنعطي الناس كتبهم، هذا بيمينه وهذا بشماله.. خالقين بذلك دينا إقصائيا يستطيع الناس فيه توزيع بعضهم البعض عَلى الجنة والنار.. هذا الدور ليس لنا.. ولن يكون..

ورحمك الله أيها الحسن البصري.. أحسنت وأبصرت..

ديك الجن
.
اقرأ أيضاً: هل ممكن يكون الملحد أو المنتحر أقرب إلي الله منك كمسلم !؟

هل ساعدك هذا المقال؟ .. شاركه الآن!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقك !