الفطرة هي الطفولة والبراءة والآصالة والصفاء والإنسانية ، وليست العقيدة أو الملة الإسلامية سواء بلون أحدى طوائف مذهب السنة أو أحدى طوائف مذهب الشيعة .. !
ذلك الحديث وتلك النصيحة الفلسفية العظيمة من رسول الله محمد تقول: ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء )
قالوا أن الفطرة هي الملة الإسلامية وكل مذهب يقول أن مذهبه هو الفطرة والإسلام والباقى لا يمثل الملة الإسلامية الحق ، ويقولون أنه لم يقل ” أو يسلمانه ” لأنه يولد مسلماً ( بمفهومهم ) !! ، وأن المولود يقلد أبواه وهذه آفة البشر ، وأن الذي يولد لأبوين مسلمين ( سنة أو شيعة بمختلف طوائفهم ) فليس مقلداً لهما بل هو باق علي أصل فطرته ، وإنما يحصل التقليد ممن يتهود أو يتنصر أو يتمجس وغير ذلك من الملل .. دعك من كلامهم الغير موضوعي والسطحي والمتوارث المقلد والمكرر .. !
* الإسلام لها معنيان: معناها بالنسبة لهم هو الملة والعقيدة الإسلامية وليست أي عقيدة وإنما عقيدة آباءهم ومجتمعاتهم كلاً علي حسب مذهب مجتمعه وطائفة آبواه يعتقد أنه علي الأسلام .. أما الإسلام بالنسبة لي كما فهمه قلبه من قرآن ربي هو التناغم والإنسجام والسلام الذي يعيشه الإنسان مع نفسه ومع الآخرين ومع كل الكون من حوله ، وهذا ما وضحته في مقال قديم بعنوان ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ) والذي يوضح الآية العظيمة التي خاطب الله فيها المسلمون الأوائل عندما أدعوا الإيمان فقال لهم: قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا .. !!
نرجع مره آخرى بنظرة فلسفية عميقة لتلك النصيحة الرائعة:
– أولاً: لم يقل فأبواه يسلمانه ؛ لأنه لم يكن هناك أبوان مسلمان أصلاً حتى يورثان الملة الإسلامية لأطفالهما ( كما يفهمها الأبوين وهنا المشكلة الحقيقية ! ) ، فالإسلام دين جديد دخل بين العرب ، ولم يكن هناك أتباع له من الأساس .. كما كان موجود للدين المسيحي واليهودي و… ، وكما قولت المشكلة ليست في الديانة وإنما التوريث الذي سيحدث للطفل هو المشكلة ، مفهوم الأبوين حينما يورث هو المشكلة ؛ لأنه يدمر فطرة الطفل ويشوه الديانة مهما كانت ديانة سماوية أو غير سماوية أو مجرد أفكار وفلسفة حياتية كالبوذية .
– ثانياً: ( كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء )
جمعاء أي مجتمعة الأعضاء متكاملة ولكن الناس بعد ولادتها يجدعون أنفها أو أذنها ، و جدعاء مقطوعة الأذن ، فالإنسان يولد ولادة مشبهة لولادة البهيمة السليمة .. أي معناها أن البشر يتكاثرون كالحيوانات عن طريق الجنس والولادة ، وفي هذا الجزء يقول أنه: عندما تلد البهيمة بهيمة آخرى يكون مولودها سليم من أي نقص ، وإنما يحدث فيها الجدع والنقص بعد ولادتها .
– فالرسول في حديثه يقول أن المولود يصبح يهودياً او نصرانياً أو مجوسياً بالتربية والتكرار والتقليد والتوريث وليس هكذا خلقه الله ولا هذا يمثل حقيقته أو أصله ؛ لأن أصله هو الفطرة .. ولأن الفطرة واحدة عند كل الناس في كل المجتمعات لا يوجد فيها إختلاف أبداً .. ( فطرة الله التي فطر الناس عليها )
– ما هي فطرة الله إذاً ؟ ما هي فطرة الله التي فطر الناس عليها ( وليس المسلمون عليها ) !؟؟
الإنسان يولد علي فطرة الله وهو الحب المطلق والبراءة الآصالة والصلاحية المطلقة تجاه الحياة ، يولد كالماء العذب تماماً الصالح لإحياء أي كائنات حية ، إن بقى بعيداً عن أي إضافات خارجية أو ملوثات سيكون صالح ، وهكذا كل مولود من بنى أدم يولد متناغم مع الحياة بكل ما فيها من غموض وأسرار وتحديات ومتناغماً مع كل أحداث الحياة ومستعداً لإستقبال نور الله بحب وسلام ومستعد لخوض تجربة الحياة بحب وسلام وشغف وفضول عالي جداً وفيه كل المميزات التي تجعله صالح للحياة بكل أحوالها ، ولكن أبواه وبيئته تؤثر فيه وتحرفه وتلوثه فطرته ، فلو أخذنا مولوداً يهودياً وآخر مسلماً منذ لحظة ميلادهما وحتى عمر الـ 4 أو 5 سنوات لن تستطيع أن تفرق بينهما أبداً .. ولن يكون بداخلهما أي ملوثات من كراهية أو حقد أو غل تجاه أي إنسان آخر بسبب دين أو لون أو جنسية أو .. ، ولن يكون بداخلهما أي كره لأنفسهما أو ضيق أو ألم تجاه أنفسهما أو الحياة من حولهما .
ولذلك لو تأملنا الآيتين بعمق سنجد أن الله تعالي قال: ( بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين * فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون )
هوى الإنسان هو كل ما يرثه الإنسان عن آباءه وأجداده ومجتمعه ( لأنهم أقوى أصنام في حياة أي إنسان ) وليس ما يقوله ويشعره قلبه كما قال رجال الدين للناس وأن قلوبهم محلها الشيطان والهوى !! لتحكموا فيهم ويسوقونهم كالقطيع ، مع أن الله يقول أن القلوب مصدر للرؤية الصحيحة والسمع والتعقل والتفكر و… ، اقرأ: اعرف قيمة وقوة قلبك في حياتك
ودائماً ما يرثه الإنسان عن آباءه ومجتمعه = الله في نظره وهكذا يحفظه دماغه ! ، سواء كانت مجرد أفكار ومشاعر فاسدة لا قيمة لها وربما تضره أكثر بكثير مما تنفعه ، وكلما زاد عمره علي الأرض وقوة إيمانه بتلك الموروثات الفاسدة زاد في ضياعه وضلاله وفقدانه لسعادته وبراءته وحياته كلها .. ؛ لذلك الله قال: ( فمن يهدى من أضل الله ) ، هو أصبح مقتنع ومؤمن إيمان أعمى أن أفكار آباءه ومجتمعه = الله !! .. فكيف سيرى نور الله وكيف سيدخل نور الله قلبه وهو مخنوق وممتليء بقاذورات ونفايات البشر ! .. الله الذي هو كل يوماً هو في شأن .. الذي يقلب الليل والنهار .. الله الأكبر من أفكاره وأفكار آباءه ومجتمعه وأفكار كل البشر في هذا العالم بكل دياناتهم ومعتقداتهم .. !!!!
وأنهى الآية الأولي بقوله: ( وما لهم من ناصرين ) ، فعلاً هم أناس لا أحد ينصرهم ، حتى أصنامهم الخاصة المتمثلة في آباءهم ومجتمعهم وأفكارهم !! .. لا أحد ينصرهم حتى أصنامهم !! .. ، ثم قال ( فطرة الله التي فطر الناس عليها … ) فطرة الله التي فطر الناااااس عليها .. لم يقل فطر المسلمون عليها .. لأنهم يعتقدون أن كل الناس تولد علي الفطرة ولكن هم فقط الذين يستمرون علي الفطرة ، أي استمرارهم علي مذاهب آبائهم ومجتمعاتهم هو الفطرة !! ، ولذلك فطرتهم لم تحل لهم مشاكلهم .. لم تزيد سعادتهم .. لم تزيد حبهم لأنفسهم ولا حبهم لغيرهم ولا حبهم للحياة .. فطرتهم المزيفة تزيدهم كرهاً لأنفسهم وللآخرين وكرهاً للحياة نفسها .. وتزيد رغبتهم في الموت أكثر من شدة الألم الذين يعيشون فيه .. مجرد فطرة مزيفة مسمومة كالحب المزيف .. مجرد كلمة وشعار مزيف مسموم بالنفايات ولا يعرفون معناها أصلاً فكيف سيفيدهم ولو قليلاً !؟
( لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ) ، هذا التبديل الذي يحدث للإنسان منذ ولادته وأثناء طفولته حتي يصبح عاقل في نظر آباءه ومجتمعه ( عاقل أي يصبح فرداً وفياً في قطيعهم يحقق رغباتهم ويتعبد لهرائهم الخاص ) ، يحدث فيه تشوه وتبديل لخلق الله بصورة غير طبيعية مريضة كلاً علي حسب أمراض آباءه ومجتمعه .. الدين القيم ، هو فطرة الله التي فطر الناس عليها … وهي الطفولة والبراءة والصفاء والإنسانية .. ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، مشغولون بأصنامهم التي تضرهم وتقتلهم ببطئ !!
عبدالرحمن مجدي
هل ساعدك هذا المقال ؟