.
“لم أجد راحةً في أن أتعلم الأمور السهلة، فكنتُ أتجه دائمًا لأتعلم ما هو أصعب، لذا اخترتُ في طفولتي الموسيقى، إلى أن سكنتْ كل أيامي، فمعها تنفستُ طعم الحياة كما هو، وقد استخدمتُ في أولى حركاتي الموسيقية أدوات المطبخ من شوك وسكاكين وصحون، إلى أن أتقنت العزف على القانون، والإيقاع، والاورج، والتحقتُ بفرقة التخت الشرقي.. ومثلتُ بلدي فلسطين في محافلٍ عدّة آخرها منصة المواهب العربية”
“كنتُ كلما تأخرتُ عن درسٍ للموسيقى يتصل بي الأصدقاء ليسألوا عما يجعلني متأخرًا. هذه الثقة التي أجدها في عيون أصدقائي توهبني الكثير لأحب هذه الحياة وأمضي فيها ناجحًا..”
محمود، ١٦ عامًا، غزّة
.
.
“عملتُ ل ٢٧عامًا في برامج تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة، وقد تركتْ كثيرٌ من المواقف في بالي أثرًا لا يذهبُ، احداها أنيّ صادفتُ عام ١٩٩٢م طفلًا يعاني من اعاقةٍ حركيّةٍ لا تُعينه على المشي، وترفضُ المدرسة قبوله، فذهبنا إلى مدير المدرسة ومرشدها، وقد رفضوا في حينه قبوله رفضًا تامًا، فاجتهدتُ لأنتزع موافقةً لأجل مستقبله وحياته، ونجح في إكمال تعليمه، وفي عام ٢٠١٤م كنت زائرًا بالصدفة لكليةٍ جامعية وإذ به يُلقي عليَّ التحيّة، وبدا عليه محبوبًا من زملائه الطلاب، الذين شجعوه ودعموه، وأكثر ما أسعدني حين قدمنّي إلى دكتوره قائلًا:”وصلتُ إلى هنا بفضل هذا الرجل الذي آمن بما لديَّ في الوقت الذي تنكر ليَّ الكل.”
طلال، ٦٥ عامًا، غزّة
.
.
“وُلِدتُ في الولايات المتحدة من أمٍ إيطالية الأصل وأبٍ فلسطيني، وفي خضَّم انشغالي في معترك الحياة والغربة، صادفتني قبل أربع سنوات قصةٌ لطالبٍ فلسطيني من أوائل الثانوية العامة تفوقَ تحت ظروفٍ معيشيةٍ قاسيةٍ في غزّة، إذ حصل على (۹۹.٤%) في الثانوية العامّة، ولم يتمكن من الالتحاق بالجامعة حتى أُتيِحَت له الفرصة الدراسة في تركيا.”
“منذ ذلك الوقت قطعتُ وعدًا على نفسي أن أٌقدم كل ما أملك من وقتٍ وجهدٍ لمساعدة الطلبة من أبناء بلدي، بعدها عرفت هدفي، أن ألتزم بإعطاء كل طالبٍ فلسطيني أملًا في الحصول على فرصةٍ لتحقيق حلمه، وما كُنت أطمح إليه عزز من هذه الفرضية لتصبح واقعًا ملموسًا، من هنا جاءت فكرة مؤسسة (ريتش أديوكيشن فند) لدعم هؤلاء الطلبة، فاستطعنا في السنوات الأربع منذ التأسيس تقديم منح جامعية ل ٢٦٤ طالب وطالبة.”
“اليوم استطعت أن أزور غزة بعد سنوات من الانتظار، من أجمل ما حصل معي قيام جميع طلاب المؤسسة بانتظاري لساعات طويلة من أجل استقبالي على المعبر، شعرت بكمية الحب التي تلمعُ في عيونهم.”
“سأخبرك أيضًا عن أمي الإيطالية ذات ال ٧۰ عاماً، والتي أتلقى منها اتصالًا شبه يومي، تسألني بلهفة عن هؤلاء الطلبة وتطمئن على أحوالهم.”
وليد، ٤٧ عامًا، غزّة
.
.
“في السنة الجامعية الأولى، التحقتُ في أول مساقٍ للتصميم في قسم هندسة العمارة، وقد حصدتُ درجةً متدنيةً جدًا، وجّه لي حينها مدرسُ المساق رسالةً مفادها أن تصميمي لا يستحقُ شيئًا. وبالنسبة لشابةٍ متحمسةٍ مثلي كان وقع تلك الكلمات كبيرًا على قلبي.”
“لم أكلّ أو أذبل، آمنتُ بنفسي أكثر، ودعمني أهلي، وأمضيتُ أغلب سنواتي أعمل على مشاريعي الجامعية بمفردي، لم أجد ذلك الشخص الذي يستطيع أن يفهم طبيعة تلك الأشياء التي أشعر بها تجاه تخصصي، إلى أن التقيتُ بنور، صديقة رائعة شاركتني شغفي، حيث بدأ اهتمامنا يتجه إلى الآثار وربط الماضي بالحاضر، وها نحنُ اليوم نناقش بحث تخرجنا سويًا، فقد اخترن زميلاتي في نفس الدفعة أبحاث تخرجهن عن المدن والبنيان الحديث بينما اتجهتُ أنا ونور إلى الآثار وتطوير مواقعها نظرًا لأهمية الحفاظ على تلك الكنوز.”
ريّا، ٢٢ عامًا، غزّة
.
.
“في الابتدائية، ارتديتُ زيّ الطبيب لأول مرة خلال استعراضٍ فنّي، وكان شعورًا جميلًا حينها، جعلني أحلم أن أصبح يومًا طبيبًا. بعدها بعشر سنواتٍ كانت أولى خطواتي في كلية الطب وصولًا إلى لحظة التخرج هذه”.
“في مناوبتي الأولى كطالب طب، شهدتُ على رحيل مريضة في قسم الباطنة، ذلك الموقف سرق مني الرغبة في التعبير. أما عن سروري فلا أظنني فرحت بشيء أكثر من فرحي بأولئك الذين تعافوا بعد إنعاش قلبي رئوي. وإني أحسب أن كل ما كابدته في ليالي الطب يذوب عند دعوة مسنة صادقة.”
صالح، ٢٤ عامًا، غزّة
.
.
“محظوظة تلك التي تملك أخت توأم، لا أتخيل حياتي دونها، اعتدنا أن نتشارك كل شيء منذ الصغر، وتدُهشني فكرة أننا في أكثر الأحيان نملك نفس الإجابة عن سؤال، نفس التفكير أو نفس الذوق عند اقتناء الملابس حتى، أو ردة فعل واحدة تجاه حدث معين. وإذا ما حدث خلافٌ بيننا، فمن المستحيل أن ندع ثالثًا يتدخل. التحقنا في تخصص الهندسة المعمارية معًا، وأطلقنا قبل فترةٍ قصيرةٍ قناةً على يوتيوب، ومشروعًا على فيس بوك نخاطب فيه العالم باللغة الانجليزية لنخبرهم عن غزّة، وعن قصص الناس في هذا المكان ممن يستحقون الحياة كما غيرهم في هذا العالم.”
أسماء، ۲۱ عامًا، غزّة
.
.
“وقعت في حُب هذه الرياضة قبل عشر سنواتٍ، وكم يسخر مني الكثيرون حين يرونني ألعب السكيت في الشارع، لكنِّي لا أهتمُ أبدًا بما يفكرون. لديَّ حلمٌ يفوق كل ما يتصوره الآخرون عني، ومؤمن أنه سيتحقق قريبًا.”
“أسوأ ما أحسه هو العزلة عن العالم الخارجي، تلك الأحلام التي تبينها داخلك، لكن تحقيقها مرتبطٌ بخروجك من هذا المكان إلى مكانٍ آخر تتوفر فيه الظروف المناسبة، لكن تصدمك حقيقة أن الخروج من غزة بحد ذاته هو معجزة؛ فأنت تعرف هذا الحصار الذي لا يكاد ينفك، سيئة جدًا فكرة أن تكون مُحاصَّر!”
“ذات مرةٍ صادفنا أشخاصٌ قادمون من ايطاليا إلى غزّة، ولما رأوا ما لدينا من اصرار على لعب السكيت، قرروا أن يتطوعوا ويبنوا هذا النادي الذي نتدرب فيه، تلك الصدفة كانت أجمل ما حدث.”
محمد، ۲۳ عامًا، غزّة
.
.
“في طفولتي، كانت عروض السيرك أمرًا غير مألوفٍ، ومن تلك العروض كان الرجلُ الطويل مُدهشًا، كنتُ أحسبه طويلًا بالفعل، يمشي بخفّة ويقلّب يديه ويشد انتباه الأطفال من حوله ولا أحد يغلبُ حضوره أبدًا. ذاتٍ يوم قرأتُ أن قطيعًا من الذئاب البرية استوطن مشاع قرية نائيةٍ، وليتغلب الناس على خطر الملاحقة، لمعتْ في بال أحد القرويين الفكرة الأولى للرجل الطويل..”
“قررتُ أن أسخّر وقتي لتعلم عروض السيرك، استغرب أفرادُ عائلتي ونعتوني بغريب الأطوار. أصبحتُ الرجل الطويل الذي يُسعد الأطفال، ولا يعود ذلك عليه إلا بسقطاتٍ على الأرض، والآم في المفاصل، وعشر دولارات مقابل ساعات متواصلة من الوقوف..”
طارق، ٢١ عامًا، غزّة
.
.
“في السادسة، رحل أبي بلا عودةٍ، لقد مات. بعدها بسنواتٍ رحلتْ أمي عن الحياة أيضًا، وبقيتْ جدتي ترعاني واخوتي، لم أُرِد لاخوتي أن يشعروا بالفقد أبدًا، تركتُ المدرسة، وذهبتُ أبحث حينها عن عملٍ في أزقة الشوارع، كنتُ أوفر لهم كل ما يحتاجونه أو حتى يحلموا به حتى لا يحتاجوا أحدًا غيري، حملتُ أكياس الإسمنت إلى طوابق البنايات العالية حديثة النشأة، بُعتُ الأشياء التالفة على أرضيّة السوق، نقلتُ ركام البيوت المُدمرة إلى مصانع إعادة التدوير. تحملتُ الكثير ليشعر اخوتي بالحياة مثل غيرهم من البشر على هذه الأرض، وقد وفرتُ هذه العربة مؤخرًا لأبيع القهوة للمارة؛ وجئتُ بصديقي مجد الذي فقد أباه أيضًا في صغره، كي نصنع القهوة للمارة سويًا ويوفر شيئًا من مصروفه…”
نايف – على اليمين، ٣٣ عامًا، غزّة
.
اقرأ أيضاً: قصص جميلة ومعبرة
.
هل ساعدك هذا المقال ؟ .. شاركه الآن !